مقتطفات من حياة الرسول./ بقلم: دعاء العوايشة

وَقَعَ الإيوانُ بِمَولِدِ الهادي الذي
من سَعْدِهِ قد أشْرَقَتْ أرجاءُ
وَنُجُومُ ليلٍ قَد تَباهَرَ نُورُها
رَبَّاهُ فَاجْمَعنا بِهِ … رَبَّاهُ

لم تكن نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم حديثة العهد عندما جهر بها، بل كانت الإشارات التي تُخْبِرُ عن أنَّ محمدًا ليس كسائر البشر تتوالى مُنذُ أنْ حَمَلَتْ بِهِ السيدة آمنة، فقد رأت السيدة آمنة في المنام حين حمَلَتْ بالنبي أنَّه قد خرج منها نورًا أضاء لها قصورَ بصرى من أرض الشَّام، ثُمَّ تكرَّرت الرؤيا معها حتى سَمِعَتْ كأنَّ أحدًا يقولُ لها:
“أُعيذُهُ بِالواحِدِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حاسِدٍ، ثُمَّ تُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا”
ولمّا وَلَدَتِ السيدةُ آمنةُ رأتْ مَنْ كُنَّ عندَها ليلة الوِلادة وقد قُلنَ:
“رأينا نورًا حينَ الولادةِ أضاء لنا ما بين المشرقِ والمغرب”
وقد رُوِيَ أنَّهُ قد وُلِدَ معذورًا مسرورًا (يعني مُطَهَّرًا مقطوعَ السُّرَّة) وعندما سَمَّاهُ جَدُّهُ بِمُحَمَّدٍ، سألَتْهُ النَّاسُ لِمَ لَمْ يُسَمِّهِ كَما يُسَمِّي آباؤهُم، فقد سَمَّاهُ اِسمًا غريبًا عنهُم، فأجاب:
” أسمَيتُهُ محمدًا كَي يُحمَدَ في السّماءِ والأرض”.
أي مِنْ أجلِ أن يَحمدهُ اللهُ وملائكتهُ في السّماءِ، ويَحمدهُ النّاسُ في الأرض.

ومن كرامات محمد صلى الله عليه وسلم أنَّهُ حينَ وُلِدَ ارْتَجَّ إيوانُ كِسرى، وسقطت منهُ أربعَ عَشرةَ شُرفَةً، وغاضَتْ بُحَيرَةُ ساوا، وأُخمِدَت نارُ المجوسِ في حينِ أنَّها لَمْ تُخمَدْ قبلَ ذلكَ ألفَ سنة، كما أنّ الأرضَ قد أمطَرَت بعدَ أنْ كانتِ السَّماءُ مُمسِكَةً عنِ المَطَر.

وقد قالت السيدة حليمة السعدية عن سيدنا رسول الله أنّهُ ما إن نزلَ منزلي حتى حَلَّتِ البركة، وشَمَمْنا في منازلِ بني سعدٍ رائحةَ المسك، ثمّ ألقى الله تعالى محبتهُ في قلوب الناس، وجعل فيه الشفاء لكل مريض، حتى إذا ما أصاب واحدٌ منهم الأذى ذهبَ إلى محمدٍ فوضع يدهُ على مكانِ الألمِ حتى يذهب عنهُ ألَمُه، كذلك كان الأمر مع الدواب والأنعام. إضافةً إلى أنَّ شاة السعدية كانت تسمن أكثر من غيرها من الأنعام.

وقالت أيضا السيدة حليمة:
“ما مشى على يابسٍ إلّا واخضَرَّ، ولا سارَ في طريقٍ إلّا ورافقتهُ غمامة تحميهِ من حرِّ الشمس.

وقد ذكر رسول الله لِأصحابهِ أنّهُ حين كانَ صغيرًا يلعبُ مع الغلمانِ إذ جاءَهُ جبريلُ عليه السلام، فَطَرَحَهُ أرضًا، فشَقَّ صدرَهُ، وأخرجَ قلبَهُ، فأخرَجَ منهُ علقةً سوداء، وقالَ لَهُ: “هذا حَظُّ الشيطانِ منك” ثمّ غسلَ قلبه بِطَسْتٍ مِنْ ذهبٍ، فيهِ ماءٌ من زمزم، وأخاطَهُ من جديد.
دُهِشَتْ حليمةُ السعدِيَّةُ والصبيةُ مما حدَث، فكانت هذه إحدى الإشارات التي تُثبِتُ أن هذا الولدَ مُستَخلَصٌ منذُ حملت بهِ أُمُّهُ إلى صِباهُ ثمّ بَعثِهِ فجهادُهُ وحتى مماتِه.

 

عاش عليه الصلاة والسلام ٤٠ سنةً قبلَ البعثةِ لا يعبدُ الأصنام، مُوَحِّدًا لا يُشرِكُ بِاللهِ شيئًا.
يرفضُ الضَلالَ الذي رأى قريشًا تعيشُ فيهِ ذلكَ الزمان، كَعِبادةِ الشَّجرِ والصَّنَمِ والحَجَر، والوأدِ واللَّهْوِ والثَّأر. وغيرها…
وعندما كان يحاولُ اِكتِشافَ الحقيقةِ في غارِ حِراء، نَزَلَ عَلَيهِ الوَحْيُ جبريل -عليه السلام- لِأوّلِ مرّةٍ، حين ردَّدَ عليهِ:
(اِقرأ…)
فأجاب محمد: ما أنا بِقارئ.
ثُمَّ كَرَّرَها جبريلُ: (اِقرأ)
وردَّ عليهِ الرسولُ مجددا: ما أنا بِقارئ.
وعاوَدَها جبريلُ ثالِثَةً: (اِقرأ يا محمد)
وَرَدَّ عليهِ الرسولُ أيضًا: ماااااا أنا بِقارئ.
حتى قرأ عليهِ جبريلُ الآيات الأولى التي نزلت عليهِ صلى الله عليه وسلم مبعوثًا لِلنُبُوَّة
(اِقرأ باِسمِ ربِّكَ الذي خلق، خلقَ الإنسانَ مِنْ عَلَق، اِقرأ وَرَبُّكَ الأكرَم، الذي عَلَّمَ بِالقَلَم، عَلَّمَ الإنسانَ ما لَمْ يَعلَم)
[سورة العلق. الآيات من ١ إلى ٥].
ومن هنا كان الدين الإسلامِيُّ أول الأديانِ رفضًا للجهل، وتشجيعًا للقراءةِ والعلم والفهم، وحريصًا على التَقَدُّم.

كانت خديجة الوَفِيَّة الصَّفِيَّة أوّل مَنْ قدَّم للنبي العَون، والدعم، وأول من أسلَمَ بِهِ مِنَ النساء.
بينما كان الصّديقُ أبو بكرٍ هو أول من أسلَمَ من الرجال، وهو الذي ما نطق سيدنا محمدٌ بشيءٍ إلّا وصَدَّقَهُ بِه.
أمّا عن الصبيان فقد كان عليٌّ بنُ أبي طالبٍ هو أوّل من أسلم منهم برسول الله ونُبُوَّتِه.

عندما قاسى رسولنا الكريم في عبادة القوم لِدينِ الحق، أجاءهُ الوحي بِالبُراقِ يبشرهُ برحلة الإسراء والمعراج كَمُواساةٍ من ربه لِصبره، ولإعراضِ قومهِ عنه، فأسرى بِهِ للمسجد الأقصى، حيث أمَّ الرسول، فالتفتَ يمنةً ويسرةً فرأى الأنبياءَ يصلونَ خَلفَه، فَصلى بِهِم عليه صلوات الله وسلامُه، يعرج الوحي برسولنا حبيب المحبين لِلسماء، فَيُقابِلُ فيهنَّ في كل سماءٍ نبيًا، يلتقي بِآدم فعيسى فيوسف فإدريس وإبراهيم…

حتى وصل للسماء السابعة (عند سدرة المنتهى) فيُكلم النبي ربه، وتُفرض على أُمَّةِ محمدٍ الصّلاة،
الصلاة التي هي عمودُ الدّينِ وأساسُه، بِأذانها، وإقامتِها، فَيُولَدُ الطفل حتى يقوم أبوه بالأذانِ في أُذُنِه، ويعيشُ مطالبًا بتهذيب الجسد والروح والجوارح عليها، وهي العبادة الأولى التي طُولِبَ الأهل بمعاقبةِ الابن عندما يصل للعاشرةِ ولا يُؤَدِّيها، وعندما يموت يصلون عليه قبل الدفن، أما عن كونِها أعظم العبادات، فَهِيَ العبادة الوحيدة التي فُرِضَت في السّماء ولَمْ تُفْرَضْ في الأرض.

اختلف العلماء في عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال انها تسع عشرة غزوة، ومنهم من قال سبعٌ وعشرون، أما الراجع في ذلك فهي سبعٌ وعشرون غزوة، من أشهرها (غَزوَةُ الأبواءِ، وغَزوَةُ بدرٍ، وخيبر، وبني قَينُقاع، وأُحُدٍ وحمراء الأسد، والحُدَيبِيَة، وذات الرِّقاعِ، وفتحُ مكّة).

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتانِ أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهُنَّ وَاتَّقى اللهَ فيهِنَّ فَلهُ الجنّة).
وصى صلى الله عليه وسلم الإنسان في كثير من المواضع بِالمرأة، وقد كان لنا أُسْوَةٌ حسنةٌ فيهِ مما يَعرِضُ لنا مِن دُروس، فنجد من أخذه لِمَشورَةِ أُم سلمة حين أشارت عليه أن يحلق رأسه أمام الصحابة ويذبح سدادًا لِأمرِه، ونجد لِزَرعِهِ الوِدَّ بين أزواجه أُلْفَةً كبيرة، وحانية، ونَجِدُ في مسابَقَتِهِ لِلسيدة عائشة روحًا لطيفةً توصي الرجال أن يحرصوا على أنْ يكونوا بِغايةِ اللطفِ في المعاملةِ مع زوجاتهم، وفي خطبة الوداع كان يردد صلى الله عليه وسلم:
(أُوصيكم بالنّساءِ خيرًا، اِستَوصوا بالنّساءِ خيرًا)
صلوا على من أنقذ البنت من الوأد، وأشرَكَها بِالميراث، وأوصى على حمايتها والحُنُوِّ عليها والرفق في معاملتها، صلوا على من وصف النساء بالقوارير (يعني بالزجاجة الناعمة الرقيقة).

قيلَ: يا رسول الله، من أحَبُّ الناسِ إلَيكَ
قال: عائشة
قيل: ومِنَ الرِّجال
قال: أبوها (أي أبو بكرٍ الصِّدِّيق)
ولما اشتدّ المرضُ بِهِ صلى الله عليه وسلم، اِستأذَنَ النّبيُّ زوجاتِهِ أن يُمَرَّضَ في بيتِ عائشةَ -رضي الله عنها- وهي حبيبةُ قلبه، فَأَذِنَّ لَه، قالت السيدةُ عائشة:
كنتُ كُلّما اِشتَدَّ بِهِ المرضُ آخُذُ يدهُ الشريفةَ فأمْسَحُ بِها على وجهه، لِأنَّ يَدَ النّبيِّ أكرٌمُ وأطيَبُ مِن يدي.
ولمّا ضجّ النّاسُ في المسجد، خرجَ عليهِمُ النّبيُّ، وقال:
“أيُّها النّاس، مَوعِدُكُم معي ليس في الدُّنيا، مَوعِدُكُم معي عِندَ الحوض، واللهِ لٌكَأنِّي أراهُ مِن مُقامي هذا”

^أيّها النّاس، الصّلاة الصّلاة وما مَلَكَت أيمانُكُم^.
^أيها النّاس، اتقوا اللهَ في النِّساء، أُوصيكم بالنّساءِ خيرًا^.

ولمّا قالَ الرسولُ إنّ عبدًا خيَّرَهُ الله ما بين الدنيا وبين ما عِندَ الله فَاختارَ ما عِندَ الله، لَمْ يَفهَم أحَدٌ قَولَهُ إلّا أبو بكر،
فَبَكى أبو بكرٍ وَعَلا نَحيبُهُ، وقال:
فَدَيْنَاكَ بِآبائِنا، فَدَيْنَاكَ بِأولادِنا، فَدَيْنَاكَ بِأزواجِنا، فَدَيْنَاكَ بِأموالِنا… فَدَيْنَاكَ.

ولمّا نظرَ الناسُ إلَيهِ كيفَ يُقاطِعُ النّبِيّ، قالَ النّبِيّ: دَعُوا أبا بكر، فَما مِنكُم مِنْ أحَدٍ كانَ لَهُ عِندَنا مِنْ فَضلٍ إلّا وكافأناهُ بِه، إلّا أبا بكر، لَمْ أستَطِع مُكافَأتَهْ، فَتَرَكتُ مُكافَأتَهُ للهِ سُبحانَهُ وتعالى.

“أيها النّاس، اَقرِءوا مِنّي السلامَ كُلَّ مَن تَبِعَني مِنْ أُمَّتي إلى يَومِ القيامَة”

دخل جبريلُ وقال: “يا رسول الله ملكُ الموتِ بِالبابِ يستأذِن”
فقال: “اِءذَن لَهُ يا جبريل”
ودخلَ ملكُ الموت، وقال:
“أيَّتُها الروحُ الطَّيِّبَة، يا روح محمّدٍ بنِ عبدِ الله، أُخرُجي إلى رضى رَبِّكِ ورُضوانِه، وَرَبٍّ راضٍ غيرِ غَضبان.
قالت السيدة عائشة: “فَسَقَطَتْ يَدُ النّبِيّ، وثَقُلَت رأسُهُ في صَدري، فَعَرَفتُ أنَّهُ…
أنَّهُ
قَد مات
مات
ماتََ رسولُ الله
ماتَ رسول الله…
لَمْ أدرِ ما أفعل، خرجتُ مِن حُجرَتي، فَتَحتُ بابي على الرجال أقول:
“ماتَ رسولُ الله، ماتَ رسولُ الله، ماتَ رسولُ الله”.

هلعَ الناسُ بِالبكاء، والنحيب، ورَدَّدَتْ اِبنتهُ فاطمةُ الزّهراء: “يا أبَتاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاه، يا أَبَتاهُ جنّةُ الفردوس مأواه، يا أَبَتاهُ إلى جبريل أنعاه”.
بينما أنَّ أبو بكرٍ لم يكلم أحدًا فور سماعِهِ بالخبر، فَرَكَضَ ودخلَ المسجدَ مُتَوَجِّهًا لِحُجرةِ السيدة عائشة، فَلَمّا دخلَ وجدهُ مُسجَىً بناحيةِ الحُجرَةِ مُغَطًى بِبُردَةٍ يَمَنِيَّةٍ جميلة، فَأدْرَكَ أنَّهُ قد مات، فَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ وَقَالَ: وَانَبِيَّاهْ، وَاخَلِيلَاهْ، واصَفِيَّاه.

بينما مِن مُغالاةِ الفاروقِ عمر _رضي الله عنهُ_ في حُبِّهِ لِرسولِ الله، كان مضطربًا اِضطِرابًا شديدًا، ويحلِفُ أنَّهُ ما مات، ومِنْ ثَمَّ أشْهَرَ سيفهُ، وقال للناس:
“لا لَمْ يَمُتْ، بَلْ رفعهُ اللهُ للسماء كما رفع عيسى، واللهِ لَيَقُولَنَّ أحَدُكُمْ أنَْهُ قد ماتَ لَأقْتُلَنَّهُ بِسَيفي هذا”.
حتى خرجَ الصِدِّيقُ بِرباطةِ جأشِهِ، وحِكمَتِهِ على الناس وقال مقولتهُ الشهيرة:
“على رِسلِكَ يا عُمَر، أَنَّهُ مَنْ كانَ يَعبُدُ مُحمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كانَ يٌعبُدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَموت”.

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
[سورة آلِ عمران. الآية ١٤٤]

 

ملاحظة:
قامت مدرسة “إنجوانا” الأُردنية الخاصة بإدارتها الفاضلة متمثلة بالمديرة “رانيا بني يونس” بتبني العمل الكتابي الآتي من كتابة وتدقيق ومراجعة وإشراف، المعلمة الروائية: “دعاء العوايشة” وطرحِه كَعَرض مسرحي، من تمثيل وإبداع مجموعة من طلاب الصف السادس. تحت تدريب وإشراف المعلمتان: دعاء العوايشة وسلام بني صالح.

أبطال العمل المسرحي:

أمير بني ارشيد
لجين سلامات
سامح الخصواني
إيهاب بني ارشيد
عمران اعيده
ألين الزعبي
حمزة بني يونس
هاشم ذيابات
محمد الزامل
سيرين شريدة
إبراهيم المجذوب

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!