حيوانات/بقلم:عبد القادر رالة

عش الغراب .

  كنت في السيارة المتهرئة المتوجهة الى مزرعة سي محفوظ  ، وبجانبي كان يجلس صديقي علال. كان صديقا مقربا عزيزا على سي محفوظ ….

 وفجأة أشار صديقي ،  وقال: 

ــ انظر! انظر الى عش الغراب الذي حدثتك عنه ، لم تصدقني وجادلتني ،وقلت أن الغربان لا تقترب من البشر…

  فأدرتُ رأسي …

بيت قديم ،  ينتصب فوقه هوائي ، وعلى  قمته كسكاس ، و فوق الكسكاس كان يجثم غراب ضخم….

  أشار سي محفوظ ، وهو ويسوق الى الجهة المقابلة ؛ أشجار لوز، تتجمع عندها غربان كثيرة تنتقل من غصن الى غصن  ، وبعضها تتمشى على الأرض… 

  قال سي محفوظ بأن صاحب البيت  ،هو من  صنع ذلك العش ،  منذ ما يقارب ثلاث سنوات لكن الغربان رفضت أن تعشش فيه و تجاوره إلا ذلك الغراب الذي تراه هناك ، لكنه  فشل  في إقناع أي أنثى بأن تجاور البشر ، فلذلك هو يعيش وحيدا…

  وصلنا الى المزرعة ، وقدم سي محفوظ إلينا اللبن اللذيذ و المطلوع الساخن … فأكلنا وتحدثنا وثرثرنا … وكان اغلب حديثنا عن ذلك الغراب وجاره الذي يسكن أسفله ،  وهو إنسان طيب كما وصفه سي محفوظ فهو يعرفه  جيدا ، وأعلمنا بأنه رفض العيش في المدينة ،  رغم إلحاح أولاده ، وفضل أن يبقى هو وزوجته في بيته القديم ، مع نعجات  بينما  اختار أولاده وزوجاتهم المدينة…

حماري.
  هل تعرفون صاحب ذلك المقهى ؟ و الفيلا الفخمة! انتم لا تعرفونه، لكنكم دائما تتعجبون لما تسمعون الناس يقولون أن ابنه لم ينفعه كما نفعه حماره!… 

ذلك الرجل الثري! كان منذ عشرين سنة من أفقر الناس في تلك المدينة القابعة وراء الهضاب!        
كان لا يملك إلا حمارا… سُرق له في احد الليالي ،  لكن يمكن أن تقولوا أن الحمار  كان وفيا ،  أو أنها طبيعة الحمير مثل البقر  تتذكر جيدا المسالك التي تعبرها!…
  سرقه اللصوص!  لصوص تعودوا سرقة المواشي والعجول في المدن المجاورة ! وربما سرقوا   الحمار لكي يحملوا عليه الماء وسط الغابة، أو الحطب في الشتاء، من يعلم ؟..

  في احد ليالي وضعوا فوقه كيسا فيه ملابس، ورزم نقدية كثيرة،  وأهملوه فلم يربطوه، ولم يكن قد مضى على سرقته إلا أسابيع ، أقل من الثلاثة أشهر…

   وحينما سمع صاحبه نهيقه أمام البيت ،  فرح.. شكر الله … لكنه تفاجأ حينما لمح  الكيس  الثقيل بالنقود فوق بردعته!…

  دخل على زوجته مندهشا ،  وأمرها في تلك الليلة أن تذهب الى بيت أهلها ، لكي تبيت عندهم حتى يتدبر أمره…

  كان حازما ، طار في تلك الليلة الى العاصمة ، واختار هذه المنطقة التي لم تكن أهلة بالسكان كثيرا ،  ومليئة بالبنايات كما هي اليوم…

  الله هو الرزاق !…

   تأسف وتألم لأنه لم يكن وفيا مثل البهائم، فقد ترك الحمار أمام منزله القديم، ولا يعرف ماذا حدث له؟ هل وجده اللصوص فقتلوه  أم هام في الغابة فأكلته بنات أوى ؟…

 الكلب الأبيض.

   كان آخي يعاديني ، ويخاصمني بسبب و بغير سبب !…

   ولم اعرف لماذا؟ ولا كيف تغير؟.. هل هو شرير سيء بطبعه؟ وأنا الذّي لم اكتشفه إلا مؤخرا أم أنه تغير في السنين الأخيرة،  ولم انتبه لذلك…

   لا اعرف… كان يشتم أولادي ويضربهم بسبب و بغير سبب  ، باحثا عن ردة فعل  ، لكني لم أكن أتحرك ،  فهو عمهم في النهاية ،  ولابد  من أن يساهم في تأديبهم !…

  لكني بكيتُ كثيرا  في ذلك اليوم الربيعي ،  اذ غبت عن البيت والحي لمده قاربت الأسبوع حتى  تهدأ نفسي  ، فاني خفتُ أن أهشم رأسه بصخره آو أطعنه بالساطور!..

ما تصورت أبدا أن يفعل ذلك!.. قتل كلبي الأبيض.. شنقه بحبل ،  ثم علقه  بعمود الإنارة أمام بيتي!… يا الله …غضبت..

 كدتُ أن أنفجر.. بكيت… ثم هربت بعيدا…

 وصورة الكلب المشنوق بالحبل  لا تريد أن تفارق مخيلتي….

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!