في حضرة الزمن/ بقلم:قاسم الإدريسي

في حضرة الزمن الذي تجلّت فيه أيامنا كأمواج متلاطمة على شاطئ النسيان، وجدتُ نفسي غارقاً في بحر الحنين، رحلتُ كما رياح الشتاء المهاجرة، تاركاً خلفي آثار الذكريات المتناثرة كأمواج حزينة تعانق صخور الصمت.

ومع كل غيبة من أيامي، تبدأ على مسرح الروح أعتاب الشوق بالانفتاح، كأزهار تستمطر ندى الحنين على وجنتي الوجدان. وهكذا، يصبح المساء ملتقى للأشواق، والسماء تمتزج بألوان الغروب كألوان مشاعرنا المتدفقة.

في تلك اللحظات المحملة بأنفاس الماضي، أجد نفسي أمام صورتك التي تتلاشى ببطء في مهب الزمن. أعيش بين ضلوع اللحظات التي اختصرتنا، وأحس أن اللحظات تنقض عليّ كالجراح النازفة، فتترك خلفها أثراً لا يمحى في أعماق الروح.

وفي هذه اللحظات الساكنة، تأتين إليّ كالأماني المنتظرة، كأنغام عذبة تعزفها أوتار الليل، وتنساب إلى قلبي كالنسيم الهادئ على ضفاف البحر. أتذكر تلك اللحظات التي كنا نمضيها سوياً، كأنها لحظات يمكن للزمن أن يمسحها بيده العجوز، لكنها لا تموت في قلبي، بل تزدهر كزهور الربيع رغم مرور الشتاء.

ومع كل مساء، يعود الشوق ليطوي أجنحته حول قلبي، كعصفور مهاجر يعود إلى وطنه الأصلي بعد طول غياب. أحاول أن أرسمك في زوايا خيالي، لكن كل مرة تختلط ملامحك بألوان الأماني والأحلام، وتتلاشى أمام عيني كالصور المتلاشية في مرآة الزمن.

فأنا هنا، متربع على شاطئ الذكريات، أرمق الأفق بنظرات شوق مبعثرة، في انتظار أن يعود الوقت بخطواته البطيئة، ويعيدك إلى قلبي كما يعيد البحر مداه الى شاطئه الصخري. يتوهج قلبي كنجمة بعيدة في سماء الليل، مشتاقةً للقاء مشعـاً في سماء أحلامنا.

لذلك، أعلم أن هناك من يتذكرك مساء في لحظات الهدوء والصمت، يبتسم حباً ثم يحزن شوقاً، تاركاً أثراً قوياً في عمق الروح، كما يترك اندفاع الموج الصدى.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!