مقدمة اوكتافيو باث نيسان 1962/ ترجمة : حسين نهابه

 

ديوان “شجرة ديانا” للشاعرة اليخاندرا بيثرنيك.

بلورة متوهجة لخليط من السهاد العاطفي وصحوة جلية في زمن تفسخت فيه الحقيقة بأعلى درجاتها. هذا النتاج لا يحوي على اية اداة للكذب. “شجرة ديانا” عمل شفاف لا غبار عليه يجمع بين دفتيه نوراً شخصياً مُتأججاً ومختصراً، ولد على الاراضي الجافة لأمريكا. ان عداء الجو، قساوة الخطابات، اللغط والعتمة العامة لمجموعة المفكرين وجيرانهم بسبب ظاهرة التعويض المعروفة جيداً حفزت المَلَكات المنيرة لهذا الكوكب. ليس هناك جذور، فالساق هو قمة بركانية لنور طاغٍ بخفة، والأوراق صغيرة مكسوة بأربعة او خمسة خطوط كتابية مُشعة الألوان، والحاشية انيقة ومتوحشة، والحافات مسننة والزهور شفافة تفصل الذكور عن الاناث، والقراءات الأولية غائمة ومتفردة، والثانوية سنابل متأهبة وغريبة في بعض الأحيان. كان القدماء يعتقدون ان قوس الربة هو غصن مُنتزع من شجرة “ديانا”. واعتبروا الندبة على الجذع رمزاً جنسياً “انثوي” للكون. ربما هي شجرة التين الاسطورية (نسغ الأغصان الحليبية القمرية). من المحتمل ان تشير الاسطورة الى التضحية بسبب القطع: مراهق (لا ندري رجل هو ام امرأة) كان يقطع كل قمر جديد ليحفز على اعادة انتاج الصور في فم النبية (قدوة اتحاد العالمين السفلي والعلوي). شجرة ديانا واحدة من الرموز الذكورية لآلهة انثوية. البعض يرى في هذا، تأكيد متمم للأصل المخنث للمادة الرمادية وربما لكل المواد، فيما يستنتج آخرون بانها حالة من حالات نزع الملكية من الجوهر الذكوري الشمسي، وعليه ستكون الشعيرة، طقس اجتزاء سحري للشعاع الأصلي. في حالتنا الراهنة هذه وحسب معرفتنا، من المستحيل اثبات اي من هذه النظريتين.

مع ذلك سوف نشير الى ان المشاركين كانوا يستهلكون فحماً مُتوهجاً، وهي عادة باقية حتى ايامنا هذه. ومنذ زمن طويل أُنكرت الواقعة الفيزيائية لشجرة ديانا. والحقيقة ان القلائل ممن يستطيعون رؤيتها بسبب شفافيتها غير العادية.

الوحدة والتركيز والدوزنة العامة للحساسية، هي شروط لا غنى عنها للرؤية الحقيقة. بعض الاشخاص ممن يمتلكون فطنة وذكاء كبيرين، يشتكون من انهم لا يرون شيئاً على الرغم من تحضيراتهم. ومن اجل ازالة الخطأ، يكفي ان نتذكر بان “شجرة ديانا” ليس جسداً يمكن ان يُرى، بل هو مادة (مُنشطة) لرؤيا اكثر عمقاً، واداة طبيعية للبصيرة. ان تجربة نقدية صغيرة لنقد اختباري سيقضي وبشكل قاطع على مزاعم التوضيح المعاصر. وحين تُوضع على المحك، فأن “شجرة ديانا” يعكس اشعته وتلملمها في بؤرة مركزة تسمى قصيدة، تنضح حرارة مُضيئة قادرة على احراق وصهر وحتى تبخير “غير المصدقين”. انصح نقّاد لغتنا الادبيين، بالأخذ بهذه التجربة.

اوكتافيو باث

باريس، نيسان 1962

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!