أغنية المطر/ بقلم: عبدالحكيم الفقيه

مطر وفي عينيك أمواج
وفي صدري الرعود،
سحائب تبكي
وقافية المدينة لا ترن
وفي المدى برق وكركرة القرى،
مسكوبة القطرات أمزان الأصيل
السقف أبيض والكلامُ
وضحكة الأطفال من خلف النوافذ
والزروع تعانق الريح الكثيفة والغيوم
ووردة الأوقات عامرة الرحيق
هو الأسى
ما أشجن المطر الطري
وما ألذ الدمع
حتى العشب يرقص في المقابر والطريق
أصون ذاكرتي ودفتر نغمتي
وأبوح بالآه الغزيرة
والسماء ترمم الفجوات في قلب التراب
حبيبتي شجر وأحلامي غصون

مطر وأغنيتي شذى مرجي وسوسنتي حنين
ناوليني يا فتاة الطيف أمكنة تبوح
فهاهنا شوق
وأزمنة تفوح
العطر تحت الغيم منكسر
وفي قلبي جروح
داخت الأثلام
وانهمرت على وقتي الشجون

ماذا ستفعل بعد هذا الغيم؟
هل تحمي السنابل؟
هل تفكر بالتجول في الحقول
العسكر البلدي قد يأتون
والينبوع صار له جفون
قلق عنيف
والمدى المملوء بالأوجاع متكأ على جرح الندى
هذا زمان الغيم
أزمنتي التي خرج المكان لكي يدور
وكي تمور
وفي السنا بلل
وميقاتي تسيجه الظنون
هوادجي ريح
وصرصرتي جنون
إنه مطر وفي قلب الحجارة رقة
والبرق أقواس ونون
هي السنون تسير منهكة لكي نقوى وترهقنا السنون
مطر وصافرة الرياح وسطح منزلنا وأردية الجبال
هو ابيضاض والسماء تداخلت بالأرض
والفلق الكبير مرشرش
والطير تهرب
والبيوت تغيب في طقس كأن بها دلال أو جنون
مر قربي البرق
خبأت البياض
فتحت لي باب الخيال
وعدت بي مني وغلفني السكون
مطر وأغنيتي حنين واشتياق
وابل حزني ومزني والفراق
أنا الذي يجري على طرق الجبال
وفي يدي غيمي وفي روحي انطلاق
أكونني والسالكون على دمي مروا فرادى أو جماعات
وعرجوني أتون
جمرتي الأولى كقلبي
والسواقي تعزف المعنى
وفي صخري عيون
مطر ومزراب الغروب كعين عاشقة
وأشتات السحاب كبلدتي
والشرق يومض في التلال كبارق
والحب في قلبي حصون
مطر عفيف القلب أنقى كالندى
وعلى الشعاب، على الرصيف، على الحجارة والسطوح
الأرض كشكول وذاكرة السماء
تخط درس الخصب في فصل النماء
الظل مبتل الجهات ولم يزل
والماء مبتهج حرون
مطر ويعبر في أزقة قريتي
ويمازح الشباك يدخل غرفتي
ويلوح فوق السطح يغسل رايتي
والناس ضاحكة
ويبدو الطاعنون
درداء أسنان الكبار ويضحكون من القلوب
يرددون نكاتهم
والماء يمرح والعيون
مطر لذيذ القصف مغسول الرياح
تغربلت في العصر قبعة السماء
وعاد دمع الناس أمطارا
وبللت الصخور
تخور أردية الوجوم
وتكتوي بنشيجها النايات والسحر المخبأ في الجداول والخرير
السيل أغبر من جلود الزارعين
ومن وعود الحكم والمذياع
والقلق الدفين يصون متجه الدقائق
والرعود تنهدات
أنبتت في كل صدر غصة
والضاحكون تأوهوا
والسالكون تكمموا
والصمت تنطقه القرون
مطر وطفل خائف لو أن سقف البيت يسقط
أو يزيد الرعد في الرعب الشديد
وطفلة تبكي على كشكولها
المطمور في الماء الذي اخترق الجدار
وجدة تهذي وتسعل من جديد
موطن ينهار
جدران تخون
الماء قلب الماء أحيانا أشد من الحديد
وفي السماء يقرفص الدمع الهتون
مطر ويبكيني ارتجافي
هل يعود الفائتون
الفائتون غياهب
والأرض تفعمها السجون
مطر وأكواخ الجياع حزينة
والشارع الموبوء بالأنات مكتظ الركام
كأنه سيل تُحمله المدينة بالغبار
وما اشتراه الأغنياء
الشمس غائبة
ويرقبها المدى والراجفون
مطر يعيد إلى الرصيف رصيفه
ويبلل الجدران والصور القميئة
هل يولي الزائفون؟
مطر وباقات الورود ضحوكة
والزهر يرقص والشذى
والطلح والسدر المبلل
والذرى
والزيزفون

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!