مقعد شاغر/ بقلم : الروائي/ محمد فتحي المقداد

بعيونِهما يُتابعان الغادِينَ والرّائحينَ كلّ مساءٍ في لقائهما شِبهِ اليوميّ. بائعُ العربة يُراقبٌ حتّى النّملةَ لا يفوته شيء مهما صَغُرَ. لا يتردّد في استخدام هاتفه النقّال مرّة يكتبُ، وتارةً يلتقطُ صُورًا من فوره يُرسلها إلى إدارته. اعتادَ مكانَهُما الدّائم، وهما يستحوذان نظراته بين الفيْنة والأخرى. لكنّهما صامتان لا يتكلّمان. يجلسان على طَرَفيْ المقعد الخشبيّ العتيق، بدايةً ظنّهما موظّفيْن مثله من إدارة أخرى. جاءه الردّ بأنّهما أبْكَمان.. وهذا لا يمنعُ من مُراقبتهما وإن كانا زملاء. أحدهُما هزّ رأسه بقوّة، وَخطّان عريضان قَسَما جبينَه إلى نصفيْن، وكأنّ الشّفَق انعكست مرآتُه عليه. لسانُه يتحرّك بتوافق مع اُصبُعه الوُسطى إيماءً لحاجةٍ معروفة. أشار له صديقه بِسُبابَته اليُمنى للأعلى مُحاذيةً لرأسه، وبحركةٍ مماثلةٍ من اليُسرى بتشنّج غاضبٍ. بعد لحظات من وصول صورتِهِما للإدارة، داهمتهُما سيّارة (جيب). مقعدُهما المعهودُ ما زال شاغرًا منذ ستّة أشهر. خبرٌ مُسرّبٌ مُتناقلٌ همسًا: – “أنّهما كان يشتُمان عقيدَ باب الحارة أبو شهاب”. الروائي/ محمد فتحي المقداد

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!