المَثل ودلالته في رواية”الطّريق إلى الزّعتريّ” بقلم/ رائد السراحين

عادة ما يحشدُ الأدباء في نصوصهم الإبداعيّة كمًا هائلاً من التراث الثقافي، وهذا يدل على سعة إطلاعهم ،وتأثرهم بمنهج سابقيهم من الكتاب والشعراء، وتختلف هذه المعارف المحشودة من نص إلى آخر،فبعضها دينيّ وآخر أدبيّ بالإضافة إلى الموروث الشعبيّ. ورواية “الطريق إلى الزعتري”لم تخرج عن هذا النمط ،فالمقلّب لصفحاتها يجد هذا الإرث جليًا من أولى ورقاتها حتى آخرها، وتنوّعَ هذا الإرثُ بين الإرث الشعبيّ كالحِكم والأمثال والمقولات المشهورة واللهجات وبين الإرث الأدبي كالشِّعر ومقتطفات من نصوص نثريّة ،كما أن الموروث الدينيّ كان حاضراً بين طياتها،ونحن هنا بصدد مناقشة التراث الشعبيّ. أكثر المقداد من الأمثال الشعبيّة في روايته التي بدأت بمقولة لشاعر الهند الكبير،وانتهت بمقولة لشاعر فلسطين الأكبر ،وقد استخدم ما ينوف على أربعين مثلاً،وهذه الأمثال شائعة في بلاد الشام،بل في الوطن العربيّ قاطبةً،وبعضها خاص بالريف الدرعاويّ ،توارثوه جيلاً بعد جيل. ولكلّ مثل دلالةٌ رمى إليها الكاتب؛بقصد التوضيح ووصف الحال،ومن هذه الدلالات :الإصرار على الشيء حتى تحقيقه ولو بعد حين،فذكر لنا في سبيل ذلك قولهم:”وراك وراك،والزمن طويل”و” لا يضيع حق وراه مطالب”و”الأكلة اللي تتواعد فيها أحسن من اللي بتوكلها “،ومنها أيضاً قول الحق صراحة دون تلميح :”قل للأعور أعور بعينه “و”انطح وصل على النبي”،وفي جانب عدم المخاطرة والمغامرة ، يقال:”ابعد عن الشر وغنِّ له”و”لا تنم بين القبور تشوف منامات وحشة “،ومما يدل على الغفلة والجهل”عليهم عليهم،معاهم معاهم”و”العصفور يتفلّى والصيّاد يتقلّى” و “مطبلين بالدنيا مزمرين بالآخرة” وفي وصف الحال السيئة بأدق تفاصيلها، ذكر لنا الكاتب ثلاثة أمثال:”طلع من تحت الدلف إلى تحت المزراب” والحمّأم المقطوعة مياهه”و”المستجير من النار بالرمضاء”،وفي باب الصدفة يقال:”ربّ صدفة خير من ألف ميعاد”و”ربّ ضارّة نافعة”و”ربّ رمية من غير رام”،أما من ناحية الإكرام من أجل منفعة أو غض البصر،يقولون:”اطعم الفم تستحي العين”و”اللقم ترد النقم”،ويقال عن عدم الفائدة والجدوى:”دجاجة حفرت على راسها عفرت” وثمة مثلان في تغير الحال وعدم مناسبة سن الشخص لفعله أو عدم قدرته هما:”بعد هالكبرة حبة حمرا” و”زمان أول حوّل”ويقال في صدد التعارف والمعاشرة :”من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم”و”في كل عرس له قرص”وفي عدم احتقار الشيء قالو:”بحصة بتسند جرّة”وفي الاطمئنان قالوا:”حط إيدك ورجلك في مية باردة” كما وصفوا الكلام في غير موضعه بقولهم:”جت لتكحلها فعمتها” وفي موضع الفخر والاعتماد على النفس قالت العرب:أعلى ما بخيلهم يركبوه”و”تدرس وتردد وحدها”،وقالت في بذل الجهد والاجتهاد :”ما في اشي بلاش غير العمى والطراش”و”مَن جدَّ وجد ومَن سار على الدرب وصل”،وفي وصف سرعة الاختفاء قالت”فص ملح وذاب”،وفي حال التوافق قالتْ:”القلوب عند بعضها”،أما في حالة عدم الخشية من شيء قالتْ:”المبلول ما يخشى من رشق الماء”و”إذا وصلتْ المئة فلتتدحرج”. وقيل في معرض الحديث عن الشجاعة:”اللي تعرف ديته اقتله”،وقيل أيضاً في التصرف بعد صبر طويل وكان مخالفاً للمتوقّع:”صمت دهراً ونطق كفراً”،كما قالوا في الإرغام على شيء”مكره أخاك لا بطل”و”شو اللي جابرك على المر؟قيل:اللي أمرّ منو”،ولحسن حظ طرف وتعاسة طرف آخر قالوا:”إي بحظي وحظ مرت خيّي “و”موت الكلاب فرج للحرامية ” أما معرفتهم بحتمية الموت وأسبابه والحذر منها ، قالوا:” الحذر لا ينجي من القدر”، وفي مجال زيادة الأمر سوءًا وحدوث ما لم يكن بالحسبان أو ما يُكره حصوله ، قالوا:”زاد بالطنبور نغماً”ووصفاً لحالة الإهمال :”شرق الذرّايات”،ولحالة المماطلة :”مواعيد عرقوب” إنّ تخصيب النص الأدبيّ بالموروث، سواء كان دينيًّا أم أدبيًّأ أم شعبيّاً ،يجعله أكثر متانةً ورصانةً،ويثبّتُ المَشاهد والصور في ذهن القارئ بأبهى حُللها، ويجعله متشوّقاً لنهايته دون ملل أو ضجر،ويلتهم فقراته سطراً سطراً،كما يعكس سعة إطلاع كاتبه وعمق ثقافته ،وامتلاكه لهذا الكم الهائل من المعارف الإنسانية التي يحشدها ويضمنها بين ثنايا نصه بكلّ سلاسة ورتابة، وبالتالي يفتح أمام قارئه آفاق التأمل والفهم دون عسرة. الحقيقة،أنّ هذه الرواية فيها من أقوال الشعراء ،وحِكم العظماء،ومأثورات القدماء،ما يروي النفس المتعطشة للثقافة والتراث، فضلاً عن كونها قاعدة بيانات لكبرى مآسي الشرق،بل العالم أجمع.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!