صناعة الإشاعة/ بقلم: سعد عبدالله الغريبي

حدثني حديثا لا يصدقه عاقل.
قلت له: لا تكذب.
غضب وحملق في وجهي وقال: سامحك الله! كيف تصفني بالكاذب؟
قلت له: ألم تنقل لي خبرا كاذبا؟
قال: أنا لم أصنع الخبر.. الخبر وصلني ونقلته لك.
قلت: حسنا.. من أين وصلك الخبر؟
أجاب: من (الواتس أب).
قلت له: وهل الواتس وكالة أنباء؟
في السابق كانت الإشاعة – أو الخبر – تنتقل بواسطة فرد يشتهر بأنه ناقل للحكي أو (نمّام) بمعنى أنه يتصف بصفة سيئة يعرفه الناس فيتجنبونه، ويحذرونه. وغالبا لا يصدقونه، أو لا يعتمدون مروياته، وكان أكثر الناقلين من النسوة وبخاصة العجائز، لكن هؤلاء ينقلنه بحسن نية، فاطلاعهن محدود، وقدرتهن على تمحيص الأخبار وتمييز الصحيح من الزائف ضعيفة أو معدومة.
واليوم أصبح نقل الأكاذيب والإشاعات عملا جماعيا منظما واسع الانتشار وسريعة عن طريق المجموعات (الواتسابية) و(الهاشتاقات التويترية) وساعدهم في ذلك التقدم الهائل لتقنيات التصوير والنسخ والقص واللزق وتعديل الصور وتغييرها وإعادة تركيبها، أو ما يعرف بالـ (فوتوشوب).
في السابق كان سبب انتشار الإشاعة معلومةً نقلت بشكل ناقص، أو غير صحيح، أو فات السامع بعض أجزائها فأكملها من خياله. ولذلك كانوا يقولون: “لا دخان من غير نار” لأنهم غالبا لا يخترعون الإشاعة وإنما يكون لها أصل يبنون عليه..
اليوم أصبحت الإشاعة تخلق من لا شيء، فبمجرد ما يتخذ أحدهم موقفا تجاه شخص أو مؤسسة يبادر لإطلاق مقولة يخترعها، أو قصة ينسجها للتعبير عن موقفه. ومن المؤسف أن يكون هذا الشخص – في الغالب الأعم – صديقا مخلصا، لكن حصل بينه وبين صديقه ما يجري عادة بين الأصدقاء من اختلاف في وجهات النظر أو خطأ غير مقصود. وقد تكون المؤسسة التي أراد هذا تشويه سمعتها هي المؤسسة التي انتمى لها زمنا طويلا، ودافع عنها كثيرا حتى حصل ما يستدعي الانفصال عنها. وهذه صفة ذميمة أخرى تضاف إلى صفة الكذب وهي صفة الجحود والنكران، وهي أن ينقلب الصديق عدوا ويبدأ في نشر ما لا يعرفه البعيدون وهو أعرف الناس به.
والغريب أن يصدق الناس الإشاعة أكثر من تصديقهم الخبر الصحيح، ولا يلتفتون لنفي الخبر المختلق أو المكذوب. فإذا سمعوا الخبر من مصدره الصحيح شككوا فيه، في حين أنهم يتلقون الإشاعة ولا يسألون عن صحتها، ولا يتحققون عن مصدرها وكأنْ لا احتمال لبطلانها.
ليت كل من وضع علامة إعجاب لمنشور في وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة، أو أعاد تدويرها، أو نشرها يعلم أنه يتبنى ما ورد في المنشور ويؤيده. أما إن كان نشره لبيان عواره فليردَّ على صاحب المنشور في موضعه، وليبينْ وجهة نظره حتى لا تنتشر الإشاعة أو الخبر الكاذب مسرى النار في الهشيم دون رأي مخالف. والأولى الابتعاد عن نشر الأخبار وترويجها، فالأخبار الصحيحة لها وكالات مختصة لنقلها، والأخبار الكاذبة لا داعي لها أصلا.

” الفرقد “

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!