قراءة في  قصيدة ” صدى الغياب ” للشاعرة التونسية روضة الجبالي

 

– هاشم خليل عبدالغني – الأردن  

 القصيدة : –  

 صدى الغياب “
هذا الّليل طويلٌ جدّاً
يطول فيه سهادي
هارباً منّي
مترائياً لي .. .
حلم حضورك في فؤادي
أحلّق حُلماً
متغلغلاً في نبضات الرّيح
ممزقاً شراع الغياب .
للحضور داخلي
يا غائباً بين دهاليز الرّوح
مـتعبٌ رحيلك
وأنا الّتي يُرهقني انزواء ضحكتك .
أيقظ يا سيّدي بستان نبضي
على وقع قبلتين
تطبعهما على شفاه حدائقي
مقترباً من ملذّات حنيني
لأنمو وروداً
على ضفاف قلبك
صوتك دفء
يطردُ الصّقيع من داخلي
والصّدى يُردّد
أني أحبّك أكثر
تشتعل بك سكناتي
خامدة الحكمة بداخلي
وهذه الآهُ تكــبُر
اعزف على وجعي وأناتي التّائهة منّي
موسيقى سرّي في غيابات الرّحيل
راقصني كي ألقاك على ضفاف روحك الملائكيّة
روضة الجبالي

 

  في قصيدة روضة الجبالي ” صدى الغياب ” نجد صورة للروح الرومانتيكية الحديثة ، نجد القصيدة مليئة بالشكوى والأنات والشجن ، ففي قصيدة “الجبالي ” هذه  وقصائدها الأخرى ، تتضح ملامح شخصية الشاعرة .. تمام الوضوح ، بجمیع ملامحها العاطفية وقسماتها الوجدانیة وهی شخصیة شاعرة مجروحة تئن دائماً وتشکو إفلات سعادتها منها بصورة مؤلمة.  .

حینما ندرس القصيدة نری فيها الحب الحزين المحروم ، فالشاعرة تغني لحبيب أخذ معه الأمان والفرح ورحل . كما تصور الشاعرة مرارة الغياب في ثنايا قصيدتها ، ذارفة بصمت دموع ألم الغياب والإحساس بالغربة والحنين الذي يتردد صداه في داخلها .

من أصعب التجارب التي يمر بها ( المحب ) الغياب .. فالغياب له أثر مؤلم على روحه ونفسه ، ( خاصة إذا كان الغائب من تهواه الروح ويريده القلب).

وقد برع الشعراء في التعبير عن المشاعر الحزينة المؤلمة التي تصاحب مواقف الغياب والفراق وفقدان الأحبة، فهناك العديد من الأشعار والقصائد القوية التي تعبر عن مشاعر الحزن والألم بعد الغياب ..ومنهم شاعرتنا ( روضة الجبالي ) ففي قصيدتها الرائعة ” صدى الغياب ” التي سنلقي الضوء         عليها في هذه المقالة .

الصدى رجع صوت الشوق والحنين في جغراقيا الروح المرتدة من بهو واسع الأرجاء من الحزن والعتاب وتصوير الذات في حالة من التيه والضياع الناتج عن غياب الحبيب …    ففي مطلع القصيدة يتردد صوت الغياب في ليل الشاعرة ..فالليل طويل جداً وجع يتكررّ نتيجة إحساس الشاعرة بالأرق، تعطلت على أثره ساعة الزمن عن الدوران ، نتيجة أحزان ترتمي داخل ذاكرة لا تريد أن تنتهي ، وتضيف الشاعرة مخاطبة الحبيب الغائب ,  بدأ وظهر لي في هذا الليل الهارب (أمنية) أتمنى تحقيقها ، أمنيتي أن يكون وجودك بجانبي ، يسكن في قلبي . انت فقط من يسعدني .. قال (وودي ألن ) : “الغياب يكشف لك مقدار تعلقك بالشخص أو مقدار الراحة العظيمة بغيابه ، الغياب يفسر شعورك بكل صدق ” .                         
هذا الّليل طويلٌ جدّاً
يطول فيه سهادي
هارباً منّي
مترائياً لي .. .حلم حضورك في فؤادي

الحلم الأمنية  وربما الوهم يجعل الشاعرة تحلق في ذات الحبيب حتى يندمجا ، ممنية النفس أن سوف تلتقي بحبيبها الغائب ، ممزقة شراع سفينة الغياب ، لأن لوجودك معي ارتياح لروحي ونفسيتي .

تعود الشاعرة للحديث عن حالتها النفسية المضطربة وعن عزلتها وإحساسها بالوحدة حيث تختلط ألوان الأرق… أيها الغائب المختفي في سراديب الروح ، متعب ومؤلم رحيلك .   ففقداني لضحكتك  حملني ما لا أطيق .

 

أحلّق حُلماً
متغلغلاً في نبضات الرّيح
ممزقاً شراع الغياب .
للحضور داخلي
يا غائباً بين دهاليز الرّوح
مـتعبٌ رحيلك
وأنا الّتي يُرهقني انزواء ضحكتك .

تتابع الشاعرة خطابها للحبيب الغائب ، أيقظ وَهَيّجْ يا سيداً ملك فكري وهز كياني أيقظ  الحب والوله واللهفة في حدائق نبض شراييني ، أيقظ بداخلي الأحلام…بقبلتين مليئتين بالحب والرغبة تطبعهما على حدائق شفاه عطشى للحب والاستقرار العاطفي ، والرغبة والارتياح ، في دلالة على مكنون الحب والود لهذا الحبيب الغائب والإحساس بالأمان معه .

وبهاتين القبلتين التي يتردد بداخلي صداهما .. تقترب أيها الحبيب  من متعة .. تثير في كياني وحواسي إحساساً جميلاً  ممتعاً ، وبهذا القرب الوجداني المتخيل ،  أنمو وأتكاثر ورداً وفرحاً على سواحل قلبك .

أيقظ يا سيّدي بستان نبضي
على وقع قبلتين
تطبعهما على شفاه حدائقي

مقترباً من ملذّات حنيني وشوقي ،
لأنمو وروداً
على ضفاف قلبك

تخاطب الشاعرة الغائب قائلة : في صوتك الحنون المشع شعور بالدفء والأمان ، فيه ارتواء وشبع وكثير من الحب ، في صوتك حياة طردت وقاومت برد الحزن والألم من داخلي ، ورجع الصدى يردد ويكرر في بهو مشاعري وكياني أني أحبك وأعشقك وأرغب فيك أكثر وأكثر ، إني احبك .. فلقد اندلعت واتقدت وازداد التهاب حبي وعشقي لك أيها الغائب جسداً لا روحاً … هنا نرى أن البعد أشعل  النار في حطب الحب ، ولم يزده البعد إلا اشتعالاً ، وهذا عكس ما يراه  بعض الكتاب  ومنهم الكاتبة ” أثير عبدا لله النشمي ” التي ترى أن البعد يجعلنا نعتاد الغياب .. (أنَا مؤمِنة بأنَّ البُعد يجعلُنا نَعتاد الغِياب ، قد يُدخلنا في حالَة شوقٍ في بدَاياته، لكنَّنا في نِهاية الْمطاف سنَعتادُه) .

صوتك دفء

يطردُ الصّقيع من داخلي
والصّدى يُردّد
أني أحبّك أكثر
تشتعل بك سكناتي

في المقطع الأخير نرى أن الشاعرة وقعت بين مطرقة العقل وسندان العاطفة ، فهي في صراع بين القلب والعقل،  (فالعقل والقلب متضادان متكاملان فالعقل امتاز بالصلابة والقوة، بينما اختص القلب باللين واليسر. وكلاهما لا غنى للإنسان وبنائه الروحي عنهما، فصلابة العقل تلطفها رقة القلب، ولين القلب يهذبه تدبير العقل.) ، كما ترى الباحثة والمدونة الفلسطينية ” ريم مشهور جوابرة ” هل الشاعرة نجحت في التوفيق بين القلب والعقل ؟ الحكمة عند الشاعرة في حالة خمود وسكون ، والتأوه فيه وجع وحزن وأنات جريحة ، تكبر مع البعد والغياب

فالشاعرة هنا تكتفي  بالعزف المنفرد على ” ناي” أوجاعها  وأناتها الشاردة ، لحن الرحيل والغياب ، ابحث فيه عنك لأعيد ذكراك وأيام الرومانسية ، اعزف لحن الاشتياق ، أبحث فيه عن رجل هزَ عرش فؤادي .. ( قدري أن احبك .. فهل تكون أنت قدري ! ) .

 

على وقع عزف موسيقى الرحيل التائهة تطلب الشاعرة من الحبيب الغائب أن يراقصها كي تنسى نفسها وتدنو في الرقص من شواطئ روحه الرقيقة الشفافة … فبين الغياب وصداه الحاضر في وجدان الشاعرة تعيش الشاعرة حالة من القلق والشقاء ، وهذا ما حذر منه الأديب ” وديع سعادة ” حين قال : (لا تُطارد الذي غابَ، ذلك يجعلك ذَا شقاءين: شَقاء الغيابِ وشَقاء المُطاردة ) .

يتبين مما تقدم أن الشاعرة خاضت صراعا داخليا بين عقلها وعاطفتها ، فانتصرت العاطفة على العقل.

خامدة الحكمة بداخلي
وهذه الآهُ تكــبُر

اعزف على وجعي وأناتي التّائهة منّي
موسيقى سرّي في غيابات الرّحيل
راقصني كي ألقاك على ضفاف روحك الملائكيّة

تخاطب الشاعرة الغائب قائلة : في صوتك الحنون المشع شعور بالدفء والأمان ، فيه ارتواء وشبع وكثير من الحب ، في صوتك حياة طردت برد الحزن والألم من داخلي ، ورجع الصدى يردد ويكرر في بهو مشاعري وكياني أني أحبك وأعشقك وأرغب فيك أكثر وأكثر ، إني احبك .. فلقد اندلعت واتقدت وازداد التهاب حبي وعشقي لك أيها الغائب جسداً لا روحاً … هنا نرى أن البعد أشعل  النار في حطب الحب ، ولم يزده البعد إلا اشتعالاً ، وهذا عكس ما يراه  بعض الكتاب  ومنهم الكاتبة ” أثير عبدا لله النشمي ” التي ترى أن البعد يجعلنا نعتاد الغياب .. (أنَا مؤمِنة بأنَّ البُعد يجعلُنا نَعتاد الغِياب ، قد يُدخلنا في حالَة شوقٍ في بدَاياته، لكنَّنا في نِهاية الْمطاف سنَعتادُه) .

صوتك دفء

يطردُ الصّقيع من داخلي
والصّدى يُردّد
أني أحبّك أكثر
تشتعل بك سكناتي

في المقطع الأخير نرى أن الشاعرة وقعت بين مطرقة العقل وسندان العاطفة ، فهي في صراع بين القلب والعقل،  (فالعقل والقلب متضادان متكاملان فالعقل امتاز بالصلابة والقوة، بينما اختص القلب باللين واليسر. وكلاهما لا غنى للإنسان وبنائه الروحي عنهما، فصلابة العقل تلطفها رقة القلب، ولين القلب يهذبه تدبير العقل.) ، كما ترى الباحثة والمدونة الفلسطينية ” ريم مشهور جوابرة ” هل الشاعرة نجحت في التوفيق بين القلب والعقل ؟ الحكمة عند الشاعرة في حالة خمود وسكون ، والتأوه فيه وجع وحزن وأنات جريحة ، تكبر مع البعد والغياب

فالشاعرة هنا تكتفي  بالعزف المنفرد على ” ناي” أوجاعها  وأناتها الشاردة ، لحن الرحيل والغياب ، ابحث فيه عنك لأعيد ذكراك وأيام الرومانسية ، اعزف لحن الاشتياق ، أبحث فيه عن رجل هزَ عرش فؤادي .. ( قدري أن احبك .. فهل تكون أنت قدري ! ) .

 

على وقع عزف موسيقى الرحيل التائهة تطلب الشاعرة من الحبيب الغائب أن يراقصها كي تنسى نفسها وتدنو في الرقص من شواطئ روحه الرقيقة الشفافة … فبين الغياب وصداه الحاضر في وجدان الشاعرة تعيش الشاعرة حالة من القلق والشقاء ، وهذا ما حذر منه الأديب ” وديع سعادة ” حين قال : (لا تُطارد الذي غابَ، ذلك يجعلك ذَا شقاءين: شَقاء الغيابِ وشَقاء المُطاردة ) .

يتبين مما تقدم أن الشاعرة خاضت صراعا داخليا بين عقلها وعاطفتها ، فانتصرت العاطفة على العقل.

خامدة الحكمة بداخلي
وهذه الآهُ تكــبُر

اعزف على وجعي وأناتي التّائهة منّي
موسيقى سرّي في غيابات الرّحيل
راقصني كي ألقاك على ضفاف روحك الملائكيّة
ومجمل القول إن الحالة النفسية للشاعرة مضطربة بسبب إحساسها بالوحدة والشوق ،كما تحاول” روضة الجبالي ” إحياء بعض لحظات الحلم المفقودة بسبب الغياب والغائب ،  كما أن الشاعرة تحس كأنها غائبة عن العالم حين يغيب الحبيب ، ذلك من خلال تركيزها على مفردات تدل دلالة واضحة على الغياب ومواجعه…. وأخيرا أتمنى للشاعرة ( الجبالي ) كل التوفيق والتميز وأجمل ما أنهي به هذا المقال بيت شعر للشاعر الفلسطيني ” تميم البرغوثي ”

(وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها .. تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها)  .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!