قراءة في نص ابتسم للكاتب محمد صوالحة بقلم : الناقد الأردني هاشم خليل عبد الغني

هاشم خليل عبد الغني

الشاعر محمد صوالحه في قصيدة ” ابتسم ”
لا تُفّقد الوطن أغنياته … فيفقد النهر مجراه
هاشم خليل عبدالغني – الأردن
يمثل الشاعر الأردني ” محمد صوالحه ” حالة خاصة مضيئة في حياتنا الثقافية ومشهدنا الإبداعي المحلي ، فهو شاعر متألق ملتزم بالهم الوطني والإنساني ، ومؤسس ورئيس تحرير مجلة آفاق حرة ، وعضو بيت الثقافة والفنون – عمان .. وله كتاب ” مذكرات مجنون في مدن مجنونة ” شاعر يتسم برقي الكلمة ، و عذوبة وقوة العبارة الموحية .
سنتناول قصيدة ” ابتسم ” للشاعر صوالحه بالتحليل والدراسة ونلقي الضوء على مضمونها ، الذي يتحدث عن مأساة شعبنا الفلسطيني ، وما حل به من غربة وشتات وتمزق .. ومذابح ومجازر جماعية ، ودعوة الشاعر للمقاومة ورفض مشاريع المصالحة و وصفقات تصفية القصية ..
كأن الشاعر ” محمد صوالحه ” يريد أن يقول من خلال قصيدته ” ابتسم ” : ( ابتسامة الأمل أقوى من جميع العقبات ) فالابتسامة هنا ( سيف ) يحب أن يتسلح بها المقاوم وبشهره في وجه كل المطبعين والمستسلمين .
يبدأ الشاعر ” محمد صوالحه ” نصه الشعري بضمير المخاطب ” أنت ” أنت هنا ضمير يخاطب به الشاعر كل فرد من أفراد بني وطنه ، ( أي الكل من خلال الفرد ) قائلا : أنت أيها المواطن الإنسان الحالم ، وشماً ورسوماً وخطوطاً مزخرفة نحتت ونقشت (على شفاه الفجر) دلالة على حضور الإنسان ومكانته وفاعليته ، في انكشاف وانقشاع ظلمة الليل ( تكميم ألأفواه )عن نور الصبح ( الأمل والحرية ) .
” أنت
يا وشما نُقش
على شفاه الفجر ”
يخاطب الشاعر المواطن طالبا منه أن يبتسم أمام الصعوبات والعقبات ، معللاً ومبرراً هذا الطلب ، كي تتناسل وتتوالد فينا مفاهيم الحرية والتنوير والتجديد ، و لتهب علينا هبوباً خفيفاً رياح التغيير اللينة ، ولتنتعش بالماء النازل من السحاب ، أرض أمالنا وأحلامنا ضياءً وحرية … ابتسم ولكن تسلح والزم والتصق ” بحبك ” سلاح ( الحب ) سلاح فعال لبناء الوطن وسلاح لقهر وتذليل الصعوبات وبداية مرحلة بناء عصري .
” ابتسم
لتولد الشمس
ابتسم
ليتناسل فينا الضياء
ابتسم
ليزورنا النسيم
ليهطل على إعشابنا المطر
ابتسم
وتسلح
بعشقك ”
يدعو الشاعر ” محمد صوالحه ” للتروي والتريث والتدبر…والانضباط ، فيطالب المواطن ” أنت ” بأن يتصرف كما يحلو ويفعل ما يرغب به .. ليضحك لجنونه ” أي زوال عقله وفساده ، ولخلطه بين أشياء التي لا رابط بينها ، ” و ليضحك من جنونك ” على رعونته وهوسه ، الذي ظهر في لحظة عدم توازن بين الفكر والفعل . .. ولكن بشرط !!! أن يقاوم ولا يساوم ..”
يتابع الشاعر طلباته من أنت .. طالباً منه أن يعامل الطفل ( الطيبة والبساطة ) في داخلة برفق ولين .. وَتَوَدّدْ بحديثك بشغف لوردة تشكلت وتكونت على حال وهيئة أنثى محسوسة أو متخيلة . .
” اضحك لجنونك
ومن جنونك
شاكس الطفل فيك
وغازل وردة تشكلت
على هيئة أنثى ”
يدعو الشاعر ” محمد صوالحه ” المواطن ليفعل ما يريد فله حرية التصرف .. كما لاحظنا في المقطع السابق .. ولكن ..هذه الحرية مقيدة ومشروطة … بطلب واحد ومحدد ؟؟ أن لا تبسط يدك أيها ” المواطن ” لمصافحة العدو ومصافحته .. فالخلاق بيننا وبين المحتل عميق وتاريخي وعقائدي .
أيها المواطن ..يدك النظيفة النقية المتسلحة بالإرادة والمعرفة ، هي التي تجعل الوطن قوياً عزيزاً كريماً بريئا من الذل والهوان ، وهي التي ترسم وتصف وتُعِدُ نماذج وخطط العمل لقابل أيامنا .
” فقط لا تمدد يدك لتساوم
يدك وحدها
التي تهب الوطن
عزته
وترسم للنهر مجراه ”
يركز ويحرض الشاعر “محمد صوالحه ” المواطن على عدم مصالحة و مصافحة العدو المغتصب ’ ( ونستذكر في هذا المقام قصيدة الشاعر أمل دنقل ” لا تصالح ” ) .
فيؤكد أن يدك أيها المواطن المنتمي ،وحدها التي تنثر وتساقط في كل إرجاء الوطن ، الآمال والأحلام وتحدد درجة الرفض والمقاومة ، لتَمْلأُ خُضْرَةُ البناء والعطاء كُلَّ بقاع الوطن .
يراهن ” محمد صوالحه ” على وعي المواطن وانتمائه ، فيكرر طلبه منه ، أن عدم استسلامك ورفضك لمهادنة ومصالحة العدو المغتصب .. أنت من يحدده ويرسمه بلا قيد ولا شرط ، أنت أيضاً من يحدد ملامح الحمية والأنفة والقوة والسمو للأمة ، وأنت أيها المواطن الحر من يعطي لهذه المعاني معناها النبيل .
ولكن الشاعر يلتمس من المواطن أن يمدد ويبسط يده لتبديد وتفريق شمل سحائب القهر والاستبداد والاحتلال ، ويُهَدّهِد بحركة لطيفة رقيقة قلب الأمل القادم ، فيكتب مسرحية شعرية مغناة للحب والود والعشق والتحرير . ومن رحم الجمال تنجب الأرض أبطالاً ويولد عشاق البذل والعطاء عشاق الحرية .
“لا تمدد يدك
لتصافح أو تصالح
وحدها يد ك التي
تنثر خضرتها
تحدد درجة
الزرقة للبحر
للون السماء
لا تمد يدك لتصالح
وحدها يدك
التي تحدد معنى العزة
و تحدد للمعنى معناه
امدد يدك
لتبدد ضباب الصباح
لتهدهد قلب الريح
وتكتب مغناة حب
ومن رحم
الورد تنجب أنثاك
التي من كفيها
يساقط الجمال ”
يؤكد ” محمد صوالحه ” أن نتيجة مقاومة العدو المحتل بكافة إشكالها ، علامةٌ مضيئةٌ من العطاء والتضحية، لسالكي درب التحرير والمجد ، وبذا يتحرك قمر أحلامنا في مساره السليم ، فيلهم القلب والعقل رسالته .. رسالة التطور والتجديد والتحرر ،بقيادة مفكرين ومصلحين أنقياء شرفاء ، وبذلك نقيم اصدق واشرف صلاة على أرواح أبائنا وشهدائنا ..ولكن الشاعر يربط ذلك بعدم المساومة والتفاوض والمصالحة مع العدو المغتصب ..وبذلك لن يخسر الوطن أمانيه وعناوين مجده ومنعته ، ولن بفقد نهر أمانينا مجراه ولن يضل طريقه وسيأخذ طريقه ويسير سيره الطبيعي ..
” ويسير قمر ليلنا
في دربه
يوحي للقلب رسالته
ويبعثك نبيا
لتقيم على قبر ابي
اصدق صلاه
فقط لا تمدد يدك
لتساوم او تصالح
لا تفقد الوطن أغنياته
فتموت وأموت
ويفقد النهر مجراه ”
محمد صوالحه في هذا النص ونصوصه الأخرى ، يثبت أن شاعر سلس النص ، رشيق الكلمة وعميق المعنى ، نصوصه تبعث الراحة والطمأنينة في روح وذهن المتلقي ..

مجمل القول إن الشاعر ” محمد صوالحه ” ضد القهر والظلم والاستسلام ، وضد المصالحة مع العدو الصهيوني ، وضد المساومة على الحق ، فالشاعر هنا يقول للمواطن العربي :- ابتسم وحارب .. ابتسم وأنت تقاوم حتى الرمق الأخير .. ابتسم وأنت تنتصر على الوجع ، أليست الابتسامة كما قال فيليس ديلر : ” الابتسامة هي المنحنى التي تجعل كل شيء مستقيماً”
ونستذكر في هذا المقام قصيدة الشاعر الكبير ( أمل دنقل – لا تصالح ) التي يدعو فيها أيضا للمقاومة ورفض التصالح مع العدو الصهيوني .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!