قراءة في نص للشاعر محمد أبو زيد / بقلم أحمد وليد – المغرب

وأخطِيءُ …
تلوي الريحُ عُنق الغيمة لِتخطيء البُكاء …
يُخطيءُ …
يتوه الليل في مِزاج الأقداحِ ليخُطيء عتمتهُ…
سيخطيء …
يخمشُ ذاكرتهُ ليعلق عِطرها المجنون تحت أظافرهِ .. فنخطيء ..
يجهلنا الصوابُ .. فنخطيء … !!
– جسدٌ يرتجف , فيما الليل يعبُ من تحت جلده الأحلام … !!
– فلنصلي بِصمتٍ أو بأعلى ياءات الصُراخ …
– كطيفين أتعبهما المجيء , ننتحرُ في سماءٍ داكنة ونأوي لآخرِ شهقةٍ أوجعها الغياب .. !!
– كأنهُ هو .. !! تفرسَ في الفراغِ فظنهُ هو .. !!
محمد أبو زيد
حي كظل أو ربما
قصيدة ماتعة يؤكد من خلالها الشاعر تورط الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بفعل*الخطأ* متجاوزا من خلالها المفاهيم الدلالات السائدة بعالمه المدرك إلى أخرى مغايرة و مختلفة في عالمه الذاتي العميق والغير محسوس ، عالم مشاعره الدفينة التي يوكل فيها لفعل الخطأ كل المتراكمات والترسبات و الأحداث التي تقع له أو معه بقصد أو عن غير قصد جاعلا من الخطأ مطية الإنسان في النتيجة المتحصل عليها لفعله للأفعال معتمدا في ذلك على لغة تهدم المفاهيم السابقة و تأتي بأخرى عميقة تبرر النتائج بدل تبرير الأفعال . و هكذا يتم تغيير الرؤية السائدة لدى الشاعر أو المفهوم القبلي عنده فالخطأ يظل خطأ لكن عند الشاعر يصبح فعلا بديهيا لابد من فعله أو ارتكابه مغايرا بذلك التفكير السائد عنده و مجددا العلاقة بينه وبين ذاته من جهة وبينه وبين مفاهيمه و رؤاه . ثم بينه و بين محيطه وما ينتج عن هذا التفكير العميق داخل محيطه من جهة أخرى .
هذه الرؤية الجديدة عن مفهوم *الخطأ* لا وجود لها إلا داخل عالم الشاعر سواء الروحي أو الشعري فهو لا يخطئ ليخطئ بل يخطئ ليفعل الفعل فقط وهذا الفعل ليس بالضرورة أن يكون صائبا أو خاطئا لكن لا يدرك الشاعر خطأه إلا بعد قيامه بهذا الفعل . والشاعر يعبر عن كل هذا بلغة تخفي وراءها كل مقصدية لغة تكاد تكون معانيها غير ظاهرة ، فالمقصود من كتابتها يكاد يكون منعدما أو بالأحرى يختفي داخل الكلمات ولا يتخذ شكلا نهائيا بقدر ما يلوح هنا و هناك داخل أفق كل قارئ ليفهمها و يفسرها بطريقته الخاصة، هذا النوع من الكتابة يقوم على توسيع المسافة بين المفاهيم والدلالات ومقصدياتها يحيلنا من عالم الإستعمال العادي للغة إلى فضاءها الشعري الواسع والرحب الذي يغير المفاهيم ومدلولاتها المعجمية فتنفلت من رقابة العرف والتفكير السائد إلى عالم الشعر الذي يكسر القيود . عالم الأخطاء التي تقود لكثير من الأفعال الجائزة و إن جعل منها الشاعر خطأ .
إنه فعل *الخطأ* يسفر عن عملية تكوين لغوية ، تسفر عنها ولادة مجموعة من الأفعال تتشكل بفعل هذا الأخير *الخطأ* إذ تتمحور الفكرة الرئيسية حوله ومنه تتشكل وتتكون فلا يكاد الشاعر يذكر فعل الخطأ إلا وأتبعه فعلا يكمله ( أخطىء .. تلوي الريح … _ يخطىء .. يتوه الليل … _ سيخطىء .. يخمش .. ليعلق … _ نخطىء .. فيجهلنا … ) وبما أن الكلام يدور بأدوات لغوية تسيطر فيها الأفعال على الأسماء و تصرف في الماضي و المضارع (و يشمل الحاضر و المستقبل ) داخل سياق شعري مستمر وغير منقطع فالشاعر بحكم تجربته في الماضي وما عليه حاضره يخمن مستقبله أو مستقبلهما معا إن صح التعبير و نحن بدورنا نخمن الحاصل هنا و هو عبارة عن عملية خلق شعري تتولد عنه القصيدة
حيث يتحدث المتكلم (شاعر) دون نية مسبقة ولا محاولة منه في تخمين ما سيقول بل يسترسل دون توقف وكأنه يعيش عملية خلق أو ولادة فما أن يمسك القلم بين أصابعه حتى تأتي الكلمات مطواعة و دون توقف . لا يفكر فيما سيكتب ولا ما يريد من وراء فعل *الكتابة* لكنه يفعل وهكذا يعيش لحظة الخلق الشعري وهو شارد بين الكلمات تسيطر عليه مشاعر الإحساس بالتيه عن نفسه فهو كلما حاول إيجادها أخطأ طريقه و تاه عنها أكثر و بفعل *الخطأ* هذا تتوالى كل الأشياء دفعة واحدة فالشاعر يبحث عن نفسه يحاول ايجادها والإبتعاد عن الخطأ وعبثا يحاول لكنه يخطئ دائما و أبدا .. يخطىء في بعض قراراته ، يظنها صائبة فتأتي الأيام بالعكس ، يخطئ فيتوه عن فعل *الصواب* يخطئ و يخطئ.. و سيخطئ.. و نخطئ.. فالخطأ لا يرتكبه وحده بل الكل مشترك بالخطأ .. الشيء الذي يترتب عنه التيه والبحث في ذاكرته عن الأشياء المتي ضيعها بسبب خطئه هذا عن قصد أو دون قصد منه و ربما لم يكن مخطئا بل هي الأيام أخطأت بحقه و ربما هو القدر جاء بما لم يكن بحسبان الشاعر فجعل ما كان صوابا بالماضي خطأ بالحاضر .. هكذا تتولد بفعل *الخطأ* مشاعر خوف عبر عنها الشاعر “بجسد يرتجف و أحلام تطير”.. و بلحظة ما يأتي الغياب ليترجم كل مشاعر الخوف والضياع والإحساس بالخطأ الذي يسيطر على الشاعر فيقول كل ما قاله بلحظة ما وتحت ضغط معين مبينا ما يجول بخاطره ومشيرا إلى كل ما يتصارع داخله من أفكار ومشاعر ربما لا تكون خاطئة لكنها تجعله يحس بالخطأ .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!