الهُروبُ الى أميركا/ شعر الشاعر الدنمركي : ريستيان فرديناند وينذر/ ترجمة: سليم محمد غضبان

آنذاكَ عندما كُنتُ طِفلًا صغيرًا،
و كُنتُ أخذتُ في الذّهابِ الى المدرسَةِ،
و حصلتُ على جزمةٍ لقدميَّ،
و صرتُ أرتدي مريولي؛

لم أكن أملكُ الخُشوعَ الذي لديّ الآنَ،
و كُنتُ عنيدًا،
كانَ دمي حارًّا يتحكّمُ في تصرّفي،
و كانَ إدراكي ضَعِيفًا.

في ظهيرةٍ ما، بينَ الثانية عَشَرَ والواحدة
كُنتُ أُصارعُ الرّيحَ،
مَقْبُوضَ اليدِ، حارَّ القلبِ،
وقفتُ و الدّمعُ على خدّيَّ.

لقد حصلتُ على صفرٍ في المدرسةِ
في أوّلِ الإمتحاناتِ،
سَعتْ أُميّ عَبَثًا لمعركةٍ من أجلي
في المدرسةِ.

و الخبّازةُ ريكي، و التي كانتْ لطيفةً قبلًا،
وقفتْ بخُبثٍ وراء البوّابةِ؛
كانتْ قد وعدتني برغيفٍ على شكلِ قلبٍ،
لقد رأيتُها تُعطيهِ لمورتن.

أخذتُ أُفكّرُ:(كَلَّا، هذا ظلمٌ!
اأكثر ممّا أستطيعُ تحمُّله؛-
عليهم جميعًا أن يدفعوا
ثمنَ أفعالهم الشَّنيعةِ هذه.

الآنَ سوفَ أهربُ الى أميركا!
حِفظًا لكرامتي.
أين أستطيعُ الآنَ إيجادَ رفيقي بيتر،
و كأنّه ضاعَ).

أدهشَني أخي الصّغيرُ إميل
عندما تركَ ألعابَهُ
و ظهرتْ بسمةٌ مُحيِّرةٌ على وجههِ
و كأنّهُ بينَ الضّحكِ و البُكاءِ.

( نعم، إسمعْ يا إميل! عليكَ أنْ تُرافقَني،
إنّنا أخوانِ و علينا أن نكونَ معًا؛
لم يعُدْ هذا المكانُ صَالِحٌ لنا
هناكَ سنجدُ العزاءَ و الفرحَ).

نظرَ الصّغيرُ الى حِذائهِ الجديدِ
و أخذَ بترتيبَ قبّة قميصِهِ.
(أطويلةٌ جدًّا الطريقُ؟
و هلْ تعتقد أنّ حذائي سوف يصمدُ).

-(نعم، الطريقُ طويلةٌ الى أميركا
أطولُ من الطريقِ الى العمّةِ لايسي في الضّيعةِ.
لكن حتّى نصل الى هناكَ
علينا ركوب البحرِ.
و إذا ما وصلنا سريعًا
لن نندمَ أبدًا على رحلتِنا:
سنحصلُ على مزرعةٍ كهبَة
و فَوْقَ ذلكَ مالًا.

هناكَ يصنعونَ حدوةَ الحصانِ من الفضّةِ،
و كذلك دواليب العرَبةِ مزركشةٌ بالفضةِ؛
ستجدُ الذّهبَ أمامَ قدميكَ،
إنحناءةٌ منكَ فقط تكفي لإلتقاطه.

هناكَ تنمو شتّى أنواعُ الفاكهةِ و اللوزِ
ستجدها بوفرةٍ هناك
فوقَ الشّجرِ المزروعِ صفوفًا
وهي لا تُكلفكَ شيئًا.

ستجدُ هناكَ السُّكرَ و الكعكَ
و أصنافَ الشيكولاته.
إنّها تُمطِرُ هناكَ كُراتٍ من السُّكّرِ
كما تُمطرُ الليمونَ.

فوقَ ذلكَ، هناكَ الحُرية
من الصّباحِ و حتّى أُفولِ الشّمسِ
تستطيعُ البُصاقَ على الأَرْضِ حيثُ تشاءُ،
كما تستطيعُ اطفاءَ السّجائر.

يتأرجحُ المرءُ طوالَ النّهارِ في أيّامٍ مُحدّدة
في كراسي فخمةٍ؛
و الأمرُ متروكٌ للمرءِ
إن أرادَ الذّهابَ للمدرسةِ أم لا!).

(نعم إذًا، مُوافِق!). قَالَ الصّغيرُ.
(الآنَ تقرّرَ السّفْرُ!
ليس لديّ رغبةٌ
في الذهابِ الى المدرسةِ.

سأجلبُ كعكةً
نأكلُها أثناء الطّريقِ،
و الإنجيلُ المقدّسُ؟
تعلمُ أنتَ أَنَّهُ ضروريٌّ لنا!).

جاءَ و الإنجيلُ المُصوّرُ في حُضنهِ
و قابضًا على الكعكةِ بفمهِ؛-
بقينا بُرهةً صامِتينِ نُفكّرُ في
مرارةِ لحظةِ الوداعِ.

أيا بيتَ الأجدادِ العزيزِ الآمنِ
سوفَ نفتقدكَ للأبد-
عندها فتحتْ أُمي نافذتَها قليلًا
و صاحتْ بإسمينا:

إميل و بيتر! الى أينَ أنتما ذاهبانِ؟
ما الذي تفعلانَه بالكتابِ في الشّارع؟
سارعا بالعودةِ الى هنا،
ستأتي الآنَ دورتي بالطّعامِ!).

وقفنا كلانا مصدومينِ،
سرعانَ ما نسينا رِحلتَنا،
و طغى عليها الطّعامُ
و صوتُ الأمّ الحنونِ.

و كأنَّ صوتَها اللطيفَ طغى على غضبي،
نزلَ مِثْلَ صاعقةٍ،
أغرقتُ حُزني في قاعِ صحنِ الشورباءِ
ووجدتُ عزائي به.

 

نبذة عن الشاعر الدنمركي: Christian Winther 1796-1876
نشأ راسموس فيلاديس كريستيان فرديناند وينذر في عائلة من الكهنة. اشتهر بين الرومانسيين لكتابته (رحيل الغزال) منذ 1855، الذي يُعتبر آخر الأعمال الكبيرة في عصر الرومانطيقيين.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!