للبُعدِ ثمنٌ/ بقلم:إسراء شاكر الصّرايرة

طالما كانت الحقائق تحيطُ بنا، ولكن لا نعلمُ منابعَ الشكِ فيها، وكُلٌّ منا لديهِ الدرايةُ الكاملة للتوجهِ نحوها ولكن نختارُ الضلال.
ببالغِ الأسى تجتثُ الأحزانُ قلوبنا، وتُرهِقُ أعيننا، ولا نعلمُ أيَّ سبيلٍ للمُباعدةِ بيننا وبين هذه التراكمات، أحدهم لم يبكِ على ورقة النعناعِ تلك في كأسهِ, وآخرٌ لم يضجر بسببِ سؤالِ أحدهم عن حاله. وذاك لم يكن يُعاني من فرطِ الحساسيةِ من الناسِ حوله، كان أكثرهم علمًا بكواليسِ الأحداث.
لا تتسرع بالاحكامِ على من أنتَ معهم، لأنكَ لا تعلمُ أسباب تصرفاتهم، لم يكن أبدًا فرط حساسيةٍ ولا غضبٍ سريع، ولا لحظاتِ طيشٍ.
كان لكلِّ شيءٍ لهُ ثمن، وكذلك إخفاءِ مشاعركَ كان هو الأصعب، وألا تبوح بما فيها كان الأكثر ألمًا.
لا أحد يعلمُ ما عبرتَ به، وما أرهقك وما زعزعَ ثقتك في قلبك، وإياكَ أن تطلبَ البوح، لا تعلم متى يؤلمكَ الكلام، ولا تدري متى تُصبحُ الأذان التي سمعت ألسنِ الكلامِ عنك.
دع عنكَ الحديث عن أوجاعك، واترك عنك الآلام، لم تكن يومًا تعيشُ لحظاتكَ وحدك، ألم يترككَ أحدهم في منتصفِ الطريق؟
لم يكن حديثكَ عن نفسك أذى، ولا ذنب، وإنما كان خطأً، فكُشِفتَ جميع أوراقك، تعريتَ من نفسك أمامهم، وجاهدتَ على حفظِ الودِّ، والمحبةِ، إلا أنهم يجاهدون على ترك ندباتٍ في قلبك لا تُنسى، وليسوا للودِّ حافظين، ولا هم للوعودِ أوفياء. إنهم شياطينُ تبحثُ في خبايا حديثك، ولا يُحسنون الظنَّ بكَ.
فتيقن، مهما حاولت لا تحصد إلا ما في عقولهم، ويُخالُ لهم أنهم هكذا قد هدموك، وإنما لم يهدموا إلا أنفسهم تلك، ولم يُرضوا إلا عقولهم المريضة، وشياطينهم الخفية، عاشوا لِيُظهروا أن تواجدكَ كان خطأك، وأن الذنب ذنبك. أمضوا معظم الوقت لكي يُخبروكَ أنه ليس مكانك، ولست منهم، لا تدعُ لتلك الفرص أن تتم ولا تجعل من حياتك جهنم لأجلهم.
عندما تواجه فرص الرحيل لا تترك أي أثر لندباتِ كلامهم بداخلك، ولا تجعل منهم منابر للصعودِ على أكتافك، وكلهم جاهزية على أن يثبتوا أنك مُخطئٌ وهم على صواب، وأن سبب تعاستكَ وجودكَ بينهم ليجعلوا من نجاحاتك ذنب؛ لأنك لا تُناسب عقولهم، لأنكَ وحدكَ المخطئ.
اترك لنفسك المجال للحياة، ولا تُعطِ أذانكَ لهم ولا تؤرق قلبك من أجلهم أبدًا؛ لأنّ الذنبَ ليس ذنبكَ، وإنما كانت أفكارهم المُعادية والمريضة تجعلك تدفعُ الثمن في كلِّ مرةٍ تُحاورهم، والثمنُ هو البعد، وتركُ عائلتكَ، وأوجاعكَ وحدك، وتعايشكَ وحدك، وتقبلكَ وحدك.
تعلم وجاهد على أن تعيش مشاعركَ كاملةً ولا تترك أيَّ أثرٍ منها في قلبك لكيلا تُبكي قلبكَ ورقة النعناعِ في كأسِ الشاي.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!