الخمرة الممزوجة/ شعر : الشاعر اليوناني يانيس بوليتي

ترجمة محمد عبد الكريم يوسف

مراجعة سوسن علي عبود

***

ضاع كل شيء وخسر كل شيء

زوجته و أطفاله و ثروته

وكل ما يمتلك من ركام الحياة.

*

فقد في نفسه تعزيتها

وتسربت في شعابها وحشة اليأس المميتة

وصار عند من يعرفه نسيّاً منسيّا

لا يثير فيهم أدنى شعور

لا يكترث أحد بما آل إليه.

*

ما كان أقسى على نفسه مرارتها

أن تفقد تعزيتها .

من ينظر في عينيه

يلحظ النظرات القلقة الزائغة

لا يتردد أن يتيقن

أن وعيه

اختل توازنه

واضطرب في ذهوله وشروده وهذيانه

يتراءى له قلبه صحراء قاحلة

تسكنها أشباح اليأس والخيبة

تسلل منها في شحوب باهت

كل لون من ألوان الأمل.

*

هكذا يبدو لمن ينظر إليه

كأنه تحجر فيه صبره

وثقل صدره بأعباء الحياة ، هواجسها وهمومها

أنقاض تتداعى فوق أنقاض .

الزمن يمر ببطء شديد

يطأ تلك الأنقاض

في خطاً متباطئة متمهلة

وهذا المسكين!

يحيا ولا يدري لِمَ يحيا

يحيا ولا يدري لِمَ يبقيه الزمان

يستمر في حياته

غايته مجهولة وارادته تائهة .

*

نادى الخمّارَ قائلا:

عليك النقمة واللعنة أيها الخمّار.

 أنت سارق أيها الخمار.

سارقٌ أنت. سارقٌ أنت

الخمرةُ …الخمرةُ لِمَ تمزجها؟

لِمَ تمزحها ولا تتركها

خالصة نقية في مزاجها ، حادة في قوتها؟

أحتسيها في لونها الأشقر

أحتسيها في لونها الأحمر

أحتسيها في لونها الدامي المتفجر

وأنا لا أسكرْ

لِمَ لا تؤثر فيَّ؟ لِمَ لا أسكر؟

عليك اللعنة أيها الخمّار.

سارقٌ أنت … سارقٌ أنت.

*

لم آت إليك حتى أنعم بلحظة

من الفرح والسرور.

لم آت إليك لتغمرني موجةٌ

من الانبساط والحبور.

أنا أتيت…

أتيت لأحتسيها حتى الثمالة

لأضيع في مجاهل النسيان

قرب أشباح الموت.

*

ملأ الخمّار كأسا أخرى

ارتسمت على شفتيه ابتسامة

تلوّنها مسحة حزن وكآبة ،

و أجابه قائلا:

ما ذنبي أنا؟ ما جريرتي؟

هل الذنب ذنبي

إذا كانت كل الدموع التي تذرفها بسخاء

لا يعرف التجلد والصبر

تسقط نقطاً متتابعة في كأسك؟

ما ذنبي أنا؟

إن أنت لم تسكرْ؟ إن انت تبكي؟

ما ذنبي أنا؟

إن كنت تمزج خمرتك الحمراء

بدموعك السخية

وعصارة قلبك ؟

ما ذنبي أنا؟

العنوان الأصلي والمصدر :

  1. Boliti , Anthology of International Verse, 1947.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!