ذِكْـــرى /شعر :عبدالحكم مندور

تمْضي الليالي ولا تبقى سوى ذِكْرى
والعمـر يمضي ويَفْنى حاملُ الذكـرى

نَقْضي الحياةَ وما منها انقضى وَطَرٌ
والراحـلــون بـهــا أفْــواجُهـم تَتْرا

كـُلٌ يلاحِـقُ حلمـا ليس يُدْرِكـُـه
وخلفــه أجـلٌ يستَـعْـجل العُمْـــرا

يا من رحَلْتُم وكنتم أُنْسَ وَحْشَـتِـنـا
هـَلاّ َ شرحتم لنــا ما عندكـم يَطْـرا

إنَّـــــــا لنـأمــــل أنَّ الله يـُخْـلِـفـــــكــــم
من بعد خـيرا فهيـّا قدمـوا البُشرى
قد اسْــتَبَـدَّ بنا من فَقْدِكـم حَـزَنٌ
حتى أسال لنـــا من دمعنـا قَطْـرا

والنفس في حسرة من بعد فرقتكم
ترتاع من شكها في أمرهـا حيرى

نـحبكـم ونرى في دربكم رهـبـًـا
لـو تضمنون بعـادًا حزتم الأجرا

إنّـا على عهدكم نحيي تَذَكُرَكُم
لكنكم بعــدنــا في غَفْــوةٍ كُبْـرى

ذكراكمو لـهَبٌ في القلب جَـمْرَتُه
وهـل نعيش سِـنِينًا نـَحْمِل الجَمْـرا

فقــــد يـَمُـرّ على ذِكْـراكمـو وَهَـنٌ
كذا الحياة فهل لن تقبلوا العـُذْرا

هـذي نـهـايـــة كلِّ النـاس قاطِبـــةً
أشباحهم صـورٌ في غائم الذكرى

كأنـهـم زمنا من قبـل ما وُجِدوا
إلا كَلَمْـحَــــة طَيْــف مُسْــرعٍ مَــــرَّا

ســيَّـان من كان في يسْـرٍ وفي تَرَفٍ
ومن قضــاها بَعُسْـر يَـمْـتَري النـزْرا

لم يَأْسَ هـذا على شيءٍ ســيتركــه
وذاك قد غـادر الأموال والقَصْرا

والكُلُّ في حُفْرَة في الأرض موحِشَـةٍ
والأمـــر يعلمـــــــــه من يعلم الســــــــرَّا

وقد طوتـهم يد النسـيان إذ رحـلوا
لن يَبْلغــوا ســنة إن أكملـوا شهــرا
* * * *
سوى فــلان زعيم القــوم أجْهــَلـُـــه
باتوا لـمَصْرَعِه في جَمْعِـهم حَسْـرَى

وأنشــؤوا خــطبــــا تـُثـْــري منـــاقِـبَـــــــــه
تَسْتَذْرِفُ الدمع أو تَسْتَجْمِعُ الصبرا

وأكــــدّوا خــبرا .. دومــا ســنذكــرهُ
ماتشرق الشمس طول العمر أو دَهْرا

وشـــيَّــدوا نُـصُـبًا والبــاب يـَـمْــنَــعُــــــــهُ
وَوَسَّــدوه بـــــه إذْ زَخْـــرَفـــوا القَبْـــرا

ســـيـَّـــان قــبـر وضـيعٍ كــان أوْمَلِكٍ
ما دام يدخلــه عن رغْـمِــــه قَسْــرا

وهــــل يحسُّ بمـا يجــري ويــنـفــعــــــه
ويستطيع لمن هــم حولـه حَصْــرا

قد كان يَـخْطـر مِلْء الكون موكبه
قد أجْهَـدَ البحــرَ لمّا أجْهَــد البَرَّا

وفي الفضــاء وَجيبٌ من طَوائـفِـهِ
وبالبــلاد حشـــــودٌ كُلَّمـــــــا مَــــــــرّا
* * * *
والآن مُنْعَــزل في جــوف ظُلْمتـــــهِ
وقد بدت أثَـرًا من حَشْدِه صِفْـرا

وقد طَوى مـِثْـلُهــا من كــان يَذْكُـره
وليس ينفعــــــــه نَقْــشٌ ولا ذكـــــرى

والكــلُّ مُنْشَغِلٌ في أمــر عِيشَــتِــــهِ
والنفس في شُغُلٍ عن غيرهـا سًكْرى

والعمـرحُلْمٌ كذا يَنْسَاب في عَجَـلٍ
لكن صَــنائعنـــــــا تبقى لنـــــــا ذُخْـــــــرا

كلٌّ يقـــول أنـــا حـــــرٌّ على خطــــــأٍ
لنـــــــا الخيــــار ولكن كلنــــا أسـْــــرى

فمن أجاب مضى في أنْسِ طاعتـه
ومن تــولَّى يـــــلاقِ الخِـــــزْيَ والخُسْـــرا

دهــــر يــَدُور لوقـت ليس نـعلمـــــــــه
ويحصــــد النـــاس فيـه الخـير والشــرَّا

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!