الحب / بقلم : هدى الشماشي ( المغرب )

استيقظت السيدة ع من نومها متثاقلة وغسلت وجهها بماء بارد. إن الكلمة صحيحة تماما، فهو ماء من الثلاجة. وضعت الزيت في المقلاة ثم حضرت لنفسها بيضتين، وبعض القهوة. كان ذهنها شاردا قليلا، قال لها ابنها البارحة: أحلم أنني أموت.

إن الأحلام لا تنقص أحدا. وضعت قطعة سكر وحيدة في كوبها، فهي مريضة بالسكري، وعدا ذلك فهم يمنعون عنها السكر تماما. ابتسمت لنفسها: ولماذا كل هذه المرارة؟

إنها تحب الحياة، وحين تكبر كثيرا يصبح هذا الحب مقرونا بالأكل. تحضر لولدها ولنفسها أشهى الأطباق التي تستطيع تحمل ثمنها، وتتلمظ بعدها هانئة وسعيدة، أما المستقبل فهو شأن يخص الله. قال لها ابنها: إنه غاضب علينا.

أفكار الشباب الغريبة. هذه الفكرة مثلا: إن الله منزعج منا، وبعدها يغرقون في السواد حتى الأذنين.

– هل تأكل وتصمت؟

– إنني أكرهك.

ولكنها لا تغادر المائدة. إن الشمس التي تحملتها طوال النهار تدوخ رأسها لكنها لا تغضب. تنظر إليه بحنو وتعرف أنه سيعتذر. سيقول مثلا: هل تعرفين ما رأيته على التلفاز، وستجيبه هي: أخبرني، ويطير بعدها الغضب والكراهية من النافذة.

يحفظ ابنها كل ما يشاهده على الشاشة، ويعيد سرده باللغة العربية الفصحى كما لو كان هو نفسه تلفازا. إن أمه أمية ولكن هذا يجعلها تشعر بالفخر، فهو لم يتلق في الواقع أي تعليم بالمدرسة.

  • وهل قالوا أنهم سيوزعون معونات رمضان؟
  • هذه المرة سيوزعون طعاما مسموما حتى يموت أمثالنا.

إن مشاعره يمكن أن تجرح بسهولة، وهذا عيب بالنسبة لرجل فقير. يدفع عجلات كرسيه ويغادر باتجاه غرفته، ويبدو لها من البعيد مغموما وضئيلا، ولكن لا حيلة لتغيير ذلك. قالت لها امرأة من الحي: لماذا لا تزوجينه؟

إن الناس يتأقلمون مع أي شيء، وقد قالت لها المرأة بالحرف: تعملين أنت وتعيلينه وزوجته.

لنترك عملها جانبا إذن. تضع قطعة خبز في عين بيضة فيخرج السائل الأصفر. هذه لعبة من طفولتها، وكانت تتخيل حينها أنها تدمر عين رجل لا تعرفه.  تهمس لنفسها وهي تأكل لقمتها: أنت تعرفينه. إن الطيور تستيقظ وتشرع في الغناء أيضا، أما ابنها فيغط في النوم. البارحة قالت له أنها ستزوجه. كانت تبتسم لكنه بكى. قال لها بالعربية: إننا ملعونان، وكادت هي تضحك حينها.

إن الأفلام تفسد رأسه. هذا صحيح وذلك خاطئ، ولكن الحياة لا تسير على هذا النحو. قال لها رجل الدرك: نقسم المال بالتساوي أو أقبض عليك منذ الغد، أما ابنها فيظن أنه واقع في الحب. يجلس في الشرفة ويحدق بالنافذة المجاورة، ويبتسم حين تظهر زينب. قال لها أنها تبتسم له أيضا وأنه يسجل لها رسائل على أشرطة كاسيت.

– وهل تجيبك هي؟

– إنني لا أرسلها.

وهذا يجعله يبكي حين تسعى لتزويجه. تشرب قهوتها وتتخيل لو يوافق أهلها. صبية جميلة ستدخل للمنزل الفرحة وربما الأطفال، وحينها ستموت مطمئنة بشأن ولدها.

  • إنني أصبح حالمة مثله.

تبدأ بتنظيف المائدة وهي تفكر بالمرأة التي قد تتزوج ابنها. تتكلم مع نفسها بصراحة: ستكون أكبر منه بكثير، وربما قبيحة أو مطلقة أو يتيمة. تجزم وهي تبتسم لنفسها: ولكن المرأة بهجة على كل حال.

إن هذه هموم يجب أن تفكر بها لاحقا، أما وقت العمل فعمل فقط. تخرج من بيتها بخطوات حازمة، وتصفر أغنية قديمة: حبيبي ها هو قد جاء. تصل للطريق المعبدة وهي تلهث قليلا فقد شاخت بالفعل، وعندها يبدأ الجزء الأصعب: يجب أن تستلقي. قال لها ابنها: إن هذا خداع. مال حرام.

لا شك أنها تعرف ذلك. تجرح كوعها قليلا وهي تحاول أن تمدد بطنها على الإسفلت، وحين تستقر في وضعها تتنهد من الراحة. إن هذه الراحة مخيفة، إذ نامت ذات مرة بالفعل. قال لها الرجل الذي أيقظها: ما الذي حدث لك يا أماه؟ وحينها كادت تحكي له الحقيقة، أما حين حملها إلى الدرك فكلام آخر.

-تعتدي على امرأة في سن أمك؟

– إنني في سن جدته حتى يا سيدي.

إن العمل هو عمل طبعا. تغمض عينيها الآن وتسمع هدير السيارات. ستقول لابنها عندما تعود مساء: سوف أخطب لك زينب، وحينها لا شك أنها سيوافق على حلاقة ذقنه.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!