تنُور/بقلم:عبدالقادر رالة

    رغم سعيهم الحثيث إلا أن الوقت داهمهم، ولن يكفيهم لكي يصلوا إلى المدينة الصغيرة، فالظلام ينتشر بسرعة في الأرجاء، فقررَوا التوقف، ونصبَوا خيامهم في هذا المكان…

  خيمَ الليل، ولماذا العجلة ؟  في الغد أو بعد يومين أو ثلاث يكملون رحلتهم، وهي فرصة لكي تستريح المواشي، والأحصنة والبغال…

  وفي منتصف الليل وبينما كان الجميع نياماً ، هو ، أخاه وعائلته ، وصهره وأولاده ، لمحتْ زوجته التي كانت ترقد في جناحها مع أولادها الصغار ، امرأة ملامحها مخيفة  ، ترتدي ثيابا رثة ممزقة ، وشعرها أشعث شديد السواد ، توسطتْ الجناح ، نظرت يمينا وشمالا بقلق ، وكانت تصطحبها طفلة صغيرة ، تلبس ثياباَ نظيفة ، غير أن نظراتها  كانت أكثر رعبا من والدتها !…

  قامت المرأة بحمل أحجار التنور ، ثم خرجتْ وأمها تتبعها … 

   وفي الصباح الباكر أخبرت زوّجها فابتسم و وقال أنها زوجة أخيها، وبسبب التعب من السير الطويل ظنتها امرأة أخرى، فغضبتْ لأنه لم يصدقها، وكيف لا تعرف زوجة أخيه أو زوجة أخاها ؟…

  وخرجت الزوجة وأعادت أحجار التنور إلى  الخيمة …

  وفي الليلة الموالية عادت المرأة وابنتها الصغيرة، وحملت ْ الأحجار من جديد، أرادتْ الزوجة أن تناديها أو تكلمها لكن الخوف الشديد ألجمها…

   و هما يشربان القهوة أخبرته بما رأت البارحة أيضا ، والمرأة  هذه المرة كانت غاضبة ، تتوعد ، وتكثر الالتفات ،فسألها زوجها إن كان أخبرت أحد من أولادها ، أو الأطفال الآخرين؟ فنفت ذلك ..

  طلب منها أن تأخذه إلى المكان الذي جلبتْ منه أحجار التنور  ، فدلته عليه ، لا يبعدُ عن خيامهم كثيراَ…

   همس في أذنها ، بأن المكان ما هو إلا مقبرة قديمة طُمست معالمها ، وأحجار التنور تلك ما كانت إلا شواهد القبور !…

  قام بتسوية تلك الأحجار، وقرأ عندها الفاتحة وبعض ما يحفظ من آيات القرآن الكريم، ثم عادا إلى الخيام…

  

 

  

  

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!