حبل الحكايات. القاص برهان المفتي/العراق

خاص لصحيفة آفاق حرة

في المساء، يمدّ يده في حنجرته فيسحب حبلاً من حباله الصوتية وينشر عليه غسيله وسط غرفته، حكاياتٍ ملونةً تضيء ليله اللاصوت فيه، فيسترخي في صمتٍ حتى إنتهاء ظلمة الليل. حينذاك، يسرعُ إلى فكّ حبل الغسيل ويعيده إلى حنجرته، ويلملمُ حكاياتِه الملونة في صندوق الحكايات، ثم يلبسُ ذلك الغسيل ويخرج لإلتقاط حكاياتٍ أخرى.
هكذا كان نهارُه وليلُه، غرفته هي الوحيدة وسط ليل هذه القرية بإضاءةٍ ملونة تشع من نوافذ على جدران غرفته، بينما الظلام ينزل على أي مكان آخر، والصمت هو المشترك الأكبر الذي يلفّ كل شيء حين رحيل النهار. ولكنه في هذا الصباح، كانت الشمسُ مطفأة خلف غيومٍ كثيفة، فطال نومُه وثقل، وحبل غسيله لم يزل كما هو، حتى جاء الناسُ وفي خطواتهم الفضول، نظروا من نوافذ غرفته، فعرفوا سر تلك الإضاءة التي تشع من تلك الغرفة كل ليل، حبل عليه حكايات ملونة مضاءة.
كانت الدهشة سبباً لكسر النوافذ، ولم يقدر صاحب الغرفة أنْ يتصرفَ بينما الناس يقطعون ذلك الحبل وما عليه من حكايات بأسنانهم و يلتهمونها، حتى حين إنتهوا من ذلك، غادروا متلذذين بما ألتهموا، يحملون طمع العودة في الغد لفعل مشابه، بينما صاحب الغرفة في صدمة صامتة… لا صوت له لينجد حبله وحكاياته الملونة.
مضى ذلك النهار ثقيلاً كالحزن، وحين المساء، حاولَ أنْ يسحبَ حبلاً من حنجرته كما يفعل كل مرة، لم يقدر، فالصدمة قد تسببتْ في أنْ تمتلىء حنجرته بسائل لزج يمنع سحب أي حبل من حباله الصوتية، لكنه كلما حاول كان كمَنْ يعزفُ على آلةٍ وترية، حتى نسيَ نفسَه وهو يحاول طوال الليل أن يسحب حبلاً من حنجرته، ويتصاعد صوت العزف طوال الليل دون أن ينشر غسيل حكاياته. أنطلق العزف من نوافذ غرفته المكسورة ليختلط بهواء ليل القرية.
شاهدَ الناس أقدامَهم وهي تسير بهم نحو تلك الغرفة دون وعي منهم ولا سيطرة، فقطعُ ذلك الحبل الذي ألتهموه قد إستجابتْ لصوت العزف الآتي ، وها هم في هذا الليل يلحقون بأقدامهم نحو الغرفة. وحينما وصلوا، كانت الغرفة تقطعها حبال متداخلة ملونة تحركها هواء ليل القرية كعزف وداع، بينما صاحب الغرفة قد أختفى في سائل ملون مشع يغطي الغرفة.
لكن حين الإصغاء جيداً، كان صوت ضحكة شماتة مخبأة في نغمات ذلك العزف الذي سيُسمع في ليل تلك القرية أبداً.

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!