دوائر / بقلم : سامي المسلماني

بعد قليل،يطلّ فجر خجول.لم انم بعد.كنت خائفا ان يخلف الليل وعده فيقطف مزيدا من الاعناق ويغرق مزيدا من الاضواء في بركته المسحورة….يرافقني  الخوف منذ لحظات الغروب الاولى،يجلس معي على مائدة الطعام وقد يبتلع كل المطبخ دفعة واحدة قبل ان ارفع قطعة خبز شبه مغموسة في مرق بارد الى فمي،ينظر معي عبر بلّور نافذة الى طريق لا تكفّ عن التمطّط كأفعى تخزّن سمّها لليال سود.

 

حياتي لم تكن يوما انيقة.استبق اللحظات فاراها بين مطبخ ومستشفى.مقلاة على نار هادئة تتسع لغيمات بيضاء ترنو الى سواد ينشأ ويرتقي.

المستشفى غرف بيضاء متلاصقة كقطع من الجليد ومقاعد حجرية مبعثرة في حديقته ،اكاد اوقن وانا اجلس على احدها اني جزء منه و أنّ الشمس تتمّ نسج كفني كي تكتمل الصورة.

 

الممرضة الجميلة تمرّ امامي ،

ردفاها يمتصّان خيوط الشمس و يغزلان ايقاعا جديدا لذاك الصباح.

فخذاها الممتلئان يقولان لي:

صباح الخير ايها الطويل!

للحظة ،اتمنى ان يطول فيّ كل شيء كي ابلغ أواخر الثقوب الملهمة

وأشيع فيها شيئا من ضيائي الخجول

قبل ان يعاجلني الليل

بصمته المظلم المديد.

 

العجلة.الدولاب المسنّن.الساعة الحائطيّة.الافواه.الفروج.شمس الطفولة.غروب الافق.حياتي.حياتك.حياتهم…الارض دائرة كبيرة

تبتلع كلّ شيء .بدايتها في نهايتها.تلاشيها في نشوئها.ليلها منتهاها…

الدوائر تتناسل امامي مثل

مغارات رطبة ودافئة

تغري الاطوال في جسدي والاوزان في رأسي والطاقة في قلبي بالغزو والاختراق والحرائق

لكنّي اصبحت انضج من تفاحة حواء وحيّتها

واكثر خوفا من سنجاب

يغادر ثقبا بشجرة

وينزل الى ارض مفروشة بأوراق الخريف.

الشمس خادمة مطيعة لليل شبقيّ الملامح

دائريّ الخواتم

وانا طويل بما يكفي لموت منحن!

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!