قلب على ضفيرة قصة قصيرة بقلم. نجيب كيَّالي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة:

 

قلب على ضفيرة
قصة قصيرة
بقلم. نجيب كيَّالي. سوريا

 

صار يتبعها بعينيه وروحه من مكان لآخرَ دون أن تدري بعواطفه! أنوثتها الناعمة التي تشبه أنوثةَ الممثلة المصرية: فاتن حمامة اختطفَتْهُ، تناغمتْ ومشاعرَهُ التي تحمل نكهةً شاعرية.
جننتْهُ بصورة خاصة ضفيرتا شعرها حيث عادت بعضُ الصبايا مؤخراً إلى عادة ضفرِ شعورهن.
انتزعَ قلبَهُ في لحظة هيام، وعلَّقَهُ على ضفيرتها اليمنى!
صار يتحرك ببطء، ويمشي ببطء، لأن قلبه خارجَ صدره، لكنه لم يبالِ بذلك!
كانت الحلوة تبدِّل وضعيةَ ضفائرها بين الصدر والظَّهر، وحين رأتِ القلبَ المعلَّق ظنَّتْهُ شكلةَ شَعرٍ، لها هيئةُ قلب، أتتها هديةً من الملائكة، فالسماءُ تحب الجميلاتِ، وتُكْرِمُهن، مثلما تحبهن الأرضُ وأهلُها.
قبيل المغرب انطلق الشاب إلى بيته دون ذلك العضو الهام من أعضائه، وانطلقت الصبيَّة إلى بيتها أيضاً، دخلتْ تستحم، فنسيت القلبَ على رف الحمَّام!
كان الشاب يتواصل مع قلبه بطريقة لايفهمها إلا المتصوفة، ولما عرف أنه في الحمَّام بجانب علب الشامبو والأمشاط، قال له:
– اصبر أيها القلب. ستنتبه الحلوةُ إليك.. لا بد أن تنتبه، وحينها ستدرك أنك قلبٌ نابض، لا مجردُ شكلةِ شَعر، وستفهم أيضاً لماذا علَّقتُكَ على شَعرها.
وعدَ القلبُ صاحبَهُ بالاحتمال، لكن أمراً غريباً حصل، فقد دخل والد الحلوة إلى الحمَّام، فهتف: ماهذا؟! شكلات شَعر في كل مكان!
قذفَهُ من باب الحمَّام نحو الصالون، فتدحرج القلبُ على الأرض وتأوَّه! غير أن أحداً لم يشعر بحاله! وبينما كان يصبر، ويواسي نفسه وصل شقيقُ الحلوةِ الأصغر. كان فتى في الخامسة عشرة مغرماً بركلِ كرةِ القدم، وبكل مايجده في طريقه! اندفعت نحوه رِجلُ الفتى، فطار فوق الأرض، واستقر تحت الكنبة بجانب علبة مناديل فارغة!
– هاه. كيف حالك؟ هل انتبهت الحلوةُ إليك؟ (سأله صاحبه من بعيد)
غصَّ القلب بدموعه، وهو يحكي للشاب عما يعانيه، فأوصاه الشاب باستعمال جرعةٍ أخرى من الصبر إكراماً لخاطره. إنه يعشقُ صاحبةَ الضفيرة عشقاً جنونياً، لكنه خجول لايعرف كيف يحدثها عن شعوره أو يصف لها نارَ ضلوعه!
كانت الحلوة طالبةً جامعية، ولما انتهت من النظر في دروسها، وغفا بيتهم على وسادة من الهدوء بعد أن ابتلعت الأسرَّةُ الجميعَ: الأبَ، والأمَّ، والأخَ الشقي عاشقَ الكرة، في تلك اللحظة أحست بإشعاعٍ روحيّ يشملُ المنزل! إشعاعٍ يأتي من مكانٍ ما، سارت على وحيِ قلبها، فوصلت إلى القلب المرميِّ بجانب علبة المناديل!
حملَتْهُ على راحة يدها، فأحست بدفئه. رباه. هذا ليس شكلةَ شعر. إنه قلب!
فرحت كثيراً، استضافتِ القلبَ في غرفتها، وضعَتْهُ في أحسن مكان بجانب المزهرية، وراحت تحادث نفسها:
(من يكون صاحبُ القلب؟ إنه عاشقٌ أصيل لا يشبه شبانَ اليوم العابثين. مادام قد علَّقَ قلبَهُ على ضفيرتي، فسأضع روحي بين يديه، وسأعلِّق قلبي على زر سترته. ولكنْ كيف أعرفه؟ هذا أمرٌ صعب.. صعبٌ جداً).
في الصباح خطرت ببال الفتاة الحلوة فكرةٌ ممتازة، قد تُمكِّنها من معرفة صاحب القلب.
مدَّت يدَها إلى جوَّالها، وبعثت رسائلَ واتسٍ إلى جميع عشاقها، تدعوهم فيها إلى الحضور لبيتها بعد ساعة واحدة، حيث ستطل عليهم من شرفة البيت لأمر هام. كانوا كثيرين يغازلونها عن قُرب بالكلام المباشر، وعن بُعد بوسائل التواصل، ويتفنون بإرسال الورد والهدايا، تساعدهم في ذلك طبيعةُ أسرتها التي منحتها حريةً كبيرة في التعامل مع الجنس الآخر، لكنها- رغم مايفعلونه- لم تستطع أن تعرف من بينهم عاشقَها الصادق.
وصل العشاق قبل الموعد، حملت الحلوة القلب، رفعته عالياً. تعجب العاشقون في البداية، ولم يفهموا شيئاً! بل إن أحدهم هتف: ماهذا؟!
قالت البنت: مادمتم لاتعرفون ماتحمله يدي فصاحبه ليس بينكم.
في اللحظة التي كادت فيها تعود من حيث أتت أدرك أخبثُهم الحكايةَ كلَّها: هناك عاشقٌ مجنون صادق من الطراز القديم بعثَ قلبَهُ هديةً لهذه الفتاة الجميلة دون أن يكشف عن اسمه، وهي تسعى للتعرف إليه، ويبدو أنه ليس هنا. إنها فرصتي لأحلَّ مكانه.
صاح الخبيث: فتاتي الغالية. إنه لي.. إنه لي. خجلتُ- واللهِ- أن أقولها قبل قليل، لأنه شيءٌ متواضع قياساً إلى ما تستحقينه.
نزلت الفتاة من الشرفة، فتقدَّمَ نحوها متظاهراً بالعناء لأنه يمشي دون قلب! حاول القلب أن يصرخ: هذا ليس صاحبي، حاولت زرقةُ السماء أيضاً، لكنها اندفعتْ بسرعة، عانقَتْه بشوق كبير، بينما كان محبُّها الحقيقي يحاول الاتصالَ مع قلبه الذي سقط عند المعانقة، وارتطمَ بالأحذية!
*

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!