قناديل معتمة /بقلم:نزار الحاج علي

 

تتذكر أنه المنشور الأول لك في هذه المجموعة الأدبية الكبيرة…تشعر بالقلق..تعيد قراءة النصّ للمرة الأخيرة قبل أن تضغط على زر إرسال…ثمّ تجلس وأنت تترقب بلهفة.
تمرّ الدقائق عليك ببطء قبل أن يصل إليك أول إشعار؛ تنظر إلى صفحتك، أحدهم يكتفى بأعجبني، لكنك تشعر بالسعادة عندما ترى قلباً صغيراً بلونٍ أحمر، ثمَّ ثلاثة نقاط تومض وتختفي، تمنّي نفسك بعبارات طويلة من المديح، أخيراً تتحول النقاط إلى تعليق مقتضب” دام الألق”.
تحدّث نفسك بأنه لا بأس به كأول تعليق في مجموعة أنت فيها غريب.

ثم فجأة يتدخل مشرف المجموعة ليُشير إلى مجموعة كبيرة من الأسماء…تشعر بثقةٍ أكبر… هو من اختارك دوناً عن الجميع من بين إحدى المجموعات الصغيرة، ليقترح إضافتك إلى مجموعته المشهورة.
في هذه اللحظة يبدأ الوضع بالتحسن؛ تتوالى إشارات زرقاء على شكل إصبع يُشير بإبهامه نحو الأعلى، وقلوب حمراء، ووجوه تضحك…بعضها يبكي… وبعضها يصرخ بعبارة ” وااااااااااو.
ثمّ تبدأ بعض التعليقات المقتضبة بالظهور :
_مدهش، عميق جداً…
سرعان ما تبادر لإرسال قلوب حمراء مع ديباجة من المدائح للمعجبين، كنت قد أعددتها بشكل مسبق.
فجآة ومن دون سابق إنذار، يعلّق أحدهم :
لم أفهم..؟؟؟!!!
هنا تشعر بالصدمة…تحدّث نفسك ثانية:
_ هل يُعقل أنه قارئٌ جاهل؟
_ لا…لا يمكن؛ مشرف المجموعة عندما أشار إليه، ودوناً عن جميع الأسماء أشار إليه بصفة الأستاذ الكبير.
تنظر إلى اسمه بإمعان، حتى هو يعرّف عن نفسه بصفة الدكتور الأستاذ.
تضغط على أسنانك… تغلق عينيك بقوّة وكأنك تحاول أن تتذكر شيئاً…،تحاول الرد على تعليقه، ومن باب الأدب تضع كلمة أستاذ قبل أسمه…سرعان ما تظهر أمامك عبارة:
_ صديقي المبدع” الأستاذ الدكتور الأستاذ…”
حقأ يشعرك الاسم بالارتباك؛ فتتوقف عاجزاً عن متابعة الردّ.
تضغط عليه لتدخل إلى صفحته الشخصية، فيزداد الأمر غموضاً…صفحة خالية إلا من منشور واحد يتضمن حكمة ” الصبر مفتاح الفرج” يتذيلها مئات الإعجابات وتعليقات المديح.
تفكر بأن تطلب صداقته، حتى يتسنى لك معرفة المزيد…تتردد كثيراً قبل إرسال الطلب.
تعود للردّ على تعليقه، تنقر بأصابعك على الطاولة، ترفع حاجبيك ثمّ تخفضهما؛ تتذكر أن هناك ثلاثة نقاط تومض على شاشته منذ عدة دقائق؛ تشعر بالقلق…تتخيله على الطرف الآخر من الشاشة وهو يشعر بالملل…ثم يتحوّل ملله إلى غضب…تعصر ذهنك لتكتب أي شيء… لكنك تشعر بالعجز.
تومض شاشتك بثلاثة نقاط…يحدث ما كنت تخشاه…إشارة استفهام واحدة هذ المرّة “؟”.
_ هل إشارة واحدة أسوء من ثلاثة؟
تقرر أنها بالفعل أسوء، لقد أثرت حنقه بالتأكيد.

تشعر بالخوف، فتقرر المغادرة مؤقتاً، تتفقد كمّ رسائل المديح التي وصلتك على نفس المنشور، بعضها طويل، وبعضها قصير، لكن ينتابك شعور غامض أنها رسائل سخرية…أنت عاجز عن الردّ على إشارة استفهام واحدة… يا إلهي واحدة فقط.
تشعر بالحنين لمجموعتك القديمة، تزور منشوراتك، كلْ شيء كما تركته، القلوب الحمراء وهدايا الورود، لكنك لا تعرف لماذا تشعر بالغربة.
تجمع أطراف شجاعتك، تعود لمجموعتك الجديدة فتكمل ما بدأت به:
_ صديقي المبدع الأستاذ الدكتور الأستاذ…
لكنك تقرر إزالة كلمة صديقي، من غير اللائق وصفه بالصديق، وهو لم يقبل طلب صداقتك، بل على العكس أرسل لك إشارة استفهام مقتضبة، وغاضبة.
تقرر الردّ وليكن ما يكون:
_المبدع الأستاذ الدكتور…
_ لم أفهم؟؟؟!!!
نعم…هكذا يكون الردّ بالمثل
قبل أن تضغط إرسال، تتذكر علاقتك الجيدة مع مدير المجموعة، وتفكر:
_ بالتأكيد أنه سيشعر بالإنزعاج من مثل هذا الردّ.
_سيندم لأنه دعاك إلى مجموعته الرصينة.
تقرر أن تزور صفحة المشرف، صورته توحي لك بالطيبة المتناهية…تفتح الصفحة، نفس صورته القديمة لكنك تنظر إليها وكأنك تراها للمرّة الأولى:
_يا إلهي كيف لم أنتبه مسبقأ إلى كلّ هذا المكر الذي يختفي خلف عينيه الناعستين.
_كيف استطاع خداعي بمثل هذه السهولة، واقتناصي من حظيرتي، ليلقي بي فريسة سهلة أمام وحوش الغابة.
تقرر أنك لن تهتم بغضبه أو رضاه، تعود إلى الأستاذ الغاضب لتضغط زر الإرسال، وليكن ما يكون.
_ يا للهول…إنه لا يملّ أبداً
أثناء غيابك أرسل لك العبارة التي كنتُ تخشاها:
_ أين المفتاح؟
تسارع للبحث في جيوبك عن المفاتيح، لا تجد شيئاً محدداً من الممكن أن يرضي غضبه الجامح…لعله يقصد مفتاح بيت جدّك الكبير.
_ تتذكر أنه موجود فقد أحضره أباك معه، لكن للأسف لم يستطع إحضار الباب.
تشعر به وهو يراقبك…ثلاثة نقاط أخرى، وعبارة غاضبة وصارمة:
_ أين مفتاح النصّ؟
حقاً أنت تشعر بالارتباك، في حظيرتك القديمة لم يطالبك أحد بالمفتاح…الجميع يتبادل التهاني وعبارات المديح…لم تكن هناك أبواباً مغلقة، لذلك لم تكن بحاجة لمفاتيح…المفتاح الوحيد الذي تملكه هو مفتاح جدّك…لكنك لا تملك الباب.
أنت غير قادر على الاستمرار أكثر؛ تهرول إلى باب المجموعة، تضغط زر مغادرة…تتخيل كيف سيلاحقك الأستاذ والمشرف إلى مجموعتك القديمة، تهرول إلى زر المغادرة، ثم تهرول مسرعاً إلى صفحتك الشخصية…تكتب:
_ لأنني تعبتُ من الأبواب الموصدة…أنا راحل لأعثر على مفتاح.
وقبل أن تضغط على زر المغادرة، تضع تعليقاً على منشورك🏃🏃🏃🔑

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!