آفاق حرة تحاور الأديب اللبناني (محمد اقبال حرب )

 

حوار مع الأديب اللبناني (محمد إقبال حرب).

 أجرى الحوار: الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا

بطاقة تعريفية:

قبل الدخول في حوار مع الكاتب محمد إقبال حرب، لابد من إشهار بطاقته الأدبية؛ فهو عربي لبناني المولد والمنشأ، عاد قبل سنوات إلى مسقط رأسه بعد رحلة اغتراب أميركية- سعودية، متخصص في مجال البصريات الدقيقة.

احترف الكتابة الأدبية هناك وتابعها بعد عودته إلى لبنان، ليكون هويته الأدبية من خلال نشره لأعماله الموزعة ما بين الشعر والرواية والقصة. يعني أننا أمام أديب شامل.

في مجال الشعر : ديوان (عاشق النسيان) 2013/ ديوان (مقتطفات من ديوان عاشق) النسيان عربي- إنكليزي 2015

  • Birth Of A Poet – ديوان شعر/مقتطفات إيطالي-إنكليزي. 2016

 وفي الرواية صدر له:

  • الحقيقة – رواية 2010
  • هنا ترقد الغاوية – رواية 2013 – طبعة ثانية 2014
  • الملعون المقدّس – رواية 2021
  • العرّافة ذات المنقار الأسود_ قريبًا

القصة القصيرة:

  • موت شاعرة (مجموعة قصصية) 2012
  • يعيش النظام – مجموعة قصصية 2016
  • العميان الجدد – مجموعة قصصية –2018

كما أنه عضو اتحاد الكتاب في لبنان ومصر، والعديد من المنتديات الثقافية. ومؤخرًا المنجز الأبرز عربيًا هو (جائزة الأديب محمد إقبال حرب للرواية العربية) التي أنشأتها مؤسسة الوطن العربي الإعلامية.

في حوارنا مع الأديب محمد إقبال حرب، يطيب لنا توجيه العديد من الأسئلة حول رحلته مع الكتابة التي شكلت ملامح مسيرته الأدبية.

بداية أود أن أشكرك صديقي الروائي القدير محمد فتحي المقداد على هذه المبادرة التي تعمل على التواصل الفكري والحوار البناء.

** من اللافت لانتباه المتابع لتجربتك الكتابية، أنها تتراوح ما بين أكثر من جنس أدبي (الشعر والقصة والرواية)، إن دلّ ذلك على سعة اطلاعك وثقل مخزونك المعرفي. هل من الضروري للكاتب تحديد الهوية الأدبية، أي الاختصاص في جنس أدبي واحد؟.

حيث أن مهمة الكاتب هي إيصال الرسالة المرجوة بأفضل الطرق إلى القارئ فإن تنويع أساليب الكتابة هو من أفضل المحفزات للكاتب للتعبير عن رسالته. تقييد الكاتب بجنس أدبي واحد عندما يكون حاملًا للموهبة ظلم له وللقارئ.

** من المعلوم أن الشعر هو المنتقى الأرقى والأجمل من كلام العرب، والشعراء من يتقدم الصفوف، وتبسط لهم ساحات الأمسيات على الدوام. لوحظ انحيازك وتحولك للكتابة الروائية. هل جاء هذا التحول محض قناعة بصحة اختيارك؟ وهل ذلك برأيك هو تنازل من مرتبة الشعر إلى السرد الروائي؟

اسمح لي بداية أن أعترض على مقولة “تنازل من مرتبة الشعر”. علمًا أن الشعر قد تبوأ عرش الكلمة منذ فجر التاريخ لنقاء حرفه وقدسية معانيه. لكن الحقيقة تكمن في أن الكتابة الأرقى هي البليغة، الرصينة، الوجيزة، الهادفة في أي نوع من أنواع الكتابة. أما اختياري للرواية وغيرها من أنماط الكتابة ليس انحيازًا، بل يعود إلى نوعية المواضيع التي أخوض بها والتي أستطيع الإبحار في كينونتها بطريقة أفضل من خلال الرواية والقصة والمقالات أكثر من الشعر، فالشعر لديّ “هبّات” تأتي وتذهب أما “شيطان” الرواية والقصة فيلازمني طيلة الوقت.

  ** في الآونة الأخيرة تتردد مقولة: (الرواية ديوان العرب)، برأيك: فهل ستحتل الرواية المقام الأول في الأدب العربي، وهل ستكون قادرة على التربع على القمة إذا استطاعت إزاحة الشعر للمرتبة الثانية بعدها؟.

لا أعتقد أن الرواية هي ديوان العرب حيث إن الرواية بشكلها العصري جديدة على بلاد العرب وتحتاج إلى وقت طويل لتتألق ابداعًا. ومن ناحية أخرى فإن عدد الروّاد المبدعين هم قلة لو أخذنا بالاعتبار حجم العالم العربي. وما هذا بشح في كمّ المبدعين، لكنهم متوارون بسبب اهمال أصحاب القرار من مد يد العون لهم، ماديًا ومعنويًا. هذا من الناحية الأدبية أما من الناحية التجارية فالشعر لا يبيع عادة إلا في الندوات، ليس في العالم العربي، بل في الغرب كذلك. هذا الكلام صادر عن دور النشر العربية والغربية على حد سواء. فكثير من دور النشر توقفت عن طباعة الشعر لعدة أسباب أهمها عدم وجود روّاد لاقتناء الدواوين، لذلك نرى أن بيع الدواوين يتم عادة في حفلات التوقيع. أعتقد أن مرد ذلك إلى أن الشعر الحقيقي نادر، كما الشعراء. ففي عصر انحسار القراء الجادّين يعاني الشعراء والكتاب على حد سواء. وحيث أن الروايات العربية الأصيلة نادرة حيث نرى أن غالبية الأعمال الروائية مقتبسة أو غير متكاملة لسبب أو لآخر. لذلك لا أجد مصطلح أن “ديوان العرب” تسمية خاطئة. أعيد القول على أن أصحاب الموهبة كُثُر لكنهم لا يجدون الدعم والتوجيه اللازمين. وما هو موجود من كتّاب عمالقة ما هو إلا نتيجة جهد شخصي ومعاناة معظم الأحيان.

ويبقى السؤال “هل ستكون قادرة على التربع على القمة؟”. والجواب لا لسببين، أولًا عدم وجود عدد كاف من القرّاء الجادّين، ثانيًا ندرة الروايات الجيّدة الخالية من الأخطاء اللغوية والموضوعية.

** في الآونة الأخيرة تطالعنا وسائل التواصل ومحركات البحث على الشبكة العنكبوتية، بسيل جارف من العناوين لأعمال روائية صادرة حديثًا. برأيك: هو هي السهولة في تناول الكتابة السرديَّة ما جعل صدى الرواية عاليًا؟. علمًا أن كثيرا من الأعمال الروائية كانت تجربة لكاتبها. مما يخلق إشكالية مخرجات ذات مستويات متدنية، لا تساوي قيمة الحبر والورق الذي كتبت عليه. ما هو المخرج من هذا المأزق؟.

سؤال مهم، كثرة الإصدارات “التافهة” يعود أولًا لسهولة الطبع وعدم اكتراث معظم دور النشر لنوعية وجودة الرواية، بل حتى سلامة لغتها. ثانيًا، عدم محاسبة النقّاد والقراء للكاتب الذي قدّم مستوى متدن من الكتابة. أقولها وبصراحة أنني أرمي تسعة أعشار الكتب التي أحصل عليها أو أشتريها بسبب رداءة العمل. وبعد بحث الأمر مع أدباء آخرين أدركت أن الوباء شامل. الحل يكمن في تأكد دُور النشر أولًا من صلاحية ما ينشرون، لغة وموضوعًا وطرحًا، قبل البحث في الشق المادي. النشر رسالة كما الكتابة، كما أن الذوق العام له دور كبير. ودور النقّاد في المحاسبة تراجع إلى مستويات خطيرة كما دور الصحافة في الإضاءة على الكتب المميزة والكتّاب الموهوبين. لذلك على الجميع العمل ضمن خطة معتمدة، ربما تحت اشراف وزارة الثقافة.

واسمح لي بالإفاضة في جوابي حول نقطة هامّة. إذا ما كانت الدولة عاجزة أو هاملة لموضوع اللغة والثقافة يجدر بدور النشر الذين هم المستفيد الأول من تجارة الكتب أن يعملوا مع المدراس على تشجيع القراءة وإقامة مباريات وإعطاء محفّزات للطلبة من أجل بناء جيل قارئ يعتبر القراءة غذاء فكري يومي. كما أرفض مقولة أن الكتب غالية الثمن، فثمن الكتاب أقل بكثير من سعر وجبة سريعة أو “أرجيلة”.

** ما هي الكفايات المعرفية والأدبية الضرورية، لكل من أراد سلوك درب الكتابة السردية الروائية والقصصية؟

باعتقادي لا يوجد كفايات معرفية وأدبية لأننا إضافة إلى الموهبة وتعلم اللغة العربية تعلمًا صحيحًا نحتاج للقراءة الدائمة في كل المجالات لأن عالم الرواية عالم متكامل ينهل من كل أنواع المعرفة. طبعًا، قراءة أمهات كتب الأدب العربي والروايات العالمية والعربية تحسن من الأسلوب والاستراتيجيات لكن التوسع في عالم المعرفة أهم رافد لرسم لوحة روائية متكاملة، فرغم أن الظلال في أي لوحة لا تحمل بمفردها معنى لكنها هي روح تلك اللوحة وجمالها.

** ما بين الموهبة الأدبية والاحتراف مسافة يجب اجتيازها. برأيك: كيف يستطيع الكاتب تجسير هذه المسافة؟ وهل التعويل على الهواية والموهبة ستصنع أدبًا حقيقيًا؟

للأسف، لا يوجد في بلادنا احتراف، فالاحتراف ليس تكريس وقت كامل للكتابة، بل تعهُّد من الدولة بتأمين أسباب الحياة للكاتب، فالكاتب المحترف في بلادنا لا يتحصل على قوت يومه إلا بشق الأنفس، كما لا يتحصل على أي نوع من التأمينات الحياتية والصحية ولا يتم دعمه ماديًا من أي جهة. إذا تغير القانون وأصبحت الكتابة مهنة لها دعائمها سنعوّل على أدب أفضل بفضل المواهب المنسية. حاليًا، أحيي كل صاحب الموهبة ورسالة في أي مجال أدبي لاستمراريته متحديًا اليأس من أجل مستقبل يحلم به.

**ومقتبسة من الواقع، وحكايات الجدّات والمجالس والطفولة، نحن أمام إشكالية الكتابة الحداثية وما بعد الحداثية كمرحلة متقدمة، برأيك: ما هي الكيفية التي نستطيع من خلالها التوفيق بين حالتين متباينتين حد التناقض؟.

 برأيي أن الحداثة كلمة غربية مشوِّشة لأنها ولدت في ثقافة وعالم مختلفين. لكن بمعناها المبسط تعني الكتابة بلغة العصر، أي أن نأخذ بالاعتبار ثقافة هذا الزمن وأسلوب طرح وحل المشكلات. المشكلة الأكبر في عالم الكتابة في عالمنا العربي هو قصور الكتاب عن البحث والاستكشاف والتأكد من صحة ما يزعمه الكاتب قبل نشره، إضافة إلى عدم طرح مادّته على متخصص في التنقيح، ناهيك عن أن خيال كتّاب الرواية والقصة بشكل عام محجور في زمن “الجدّات” وحكاياتهن. الإصرار على هذا النمط في الكتابة نابع من إصرار هذه الأمة على العيش في زمن السلف مع سرقة أسباب الحياة من الحاضر على مضض. المشكلة ليست في عالم الأدب فحسب فهي واقع اجتماعي شامل. للخروج من هذا المأزق في عالم الأدب على الكاتب أن يعيش حاضره وأن يستشف الزمن المستقبلي بأحلامه وآماله ومستجداته حتى يستطيع الكتابة بصورة تتناسب مع عصرنا وطريقة تفكيرنا، وحتى نستطيع أن نخاطب العالم من خلال منظور عصري. أي عليه أن يتمرد على الحاضر والماضي ليكون كاتبًا حداثيًا صاحب رؤية.

  ** السياسة والدين والجنس، مأزق ثلاثي الأبعاد، الاقتراب من إحداها يكون مثار إشكالات لا حصر لها، بعض الكتاب ضرب بعرض الحائط المعتقدات الدينية والأعراف والتقاليد الاجتماعية. فهل يعد ذلك تجديفًا ضد الأديان السماوية، وتعهير للقيم المتأصلة بعميق جذورها في مجتمعاتنا العربية والشرقية؟

 هذا الثلاثي يحمل شارة القدسية، ومن حملها عصم نفسه من النقد واللوم. لذلك من غامر واقترب منتقِدً فتح على نفسه عش الدبابير وأحيانًا أبوابًا أخطر على كيانه ووجوده. ومع ذلك أجد نفسي متمرّدًا على هذا الثلاثي الأبعاد ودائمًا ما أثير التساؤلات وأطرح شكوكي وأفكاري التي يعارضها كثير حتى أستطيع دمغ موقف صريح مما أطرحه. وهذا ليس بعمل بطولي، بل هو واجب على الكاتب والمفكر من أجل صالح الإنسانية، إن أخطأ أو أصاب. لكن هناك أصول وأساليب للاقتراب، فلا أقلل من شأن أي معتقد، ولا أذم في التقاليد الاجتماعية كما لا أتخذ الجنس مسألة سخرية، بل أعارض المفاهيم بجرأة وأعارض كثير المسلمّات المتوارثة تارة بقوة وأخرى بالرمزية. أعاني بعض الأحيان من البعض كما أجد الكثير من المؤيدين. الفخ الذي يقع فيه كثيرون خلال اقتحامهم هذا الثلاثي ينصبون أنفسهم أولياء ويقلّلون من شأن الآخر كما يستعملون مفردات بذيئة أو مهينة مما يضعهم موضع التجديف. وهذا ما يقضي على طرحهم فيفقد قيمته التي قد تكون صائبة وهامة. علينا وبدون تحفظ أن نقتحم هذا الثلاثي بجرأة وحكمة لنكسب أصدقاء لا لأن نبني أعداء.

** في روايتك (هنا ترقد الغاوية) التي هي من المدرسة الواقعيّة الاجتماعيّة، لقد عالجت قضايا اجتماعية مهمة وشائعة. نرى صراعا واضحا بين الأسلوبين، ما بين الوضوح والترميز المائل للغموض، مما يحول بين القارئ وبين رسالة الكتابة، وهناك بعض السرديات ذات النفس الشعري. هل من مخرج توافقي يين هذه الرؤى والتوجهات. برأيك؟.

لا أجد تناقضًا يضر بالرواية، ففيها الترميز والوضوح، فيها البلاغة والشاعرية رغم أنها واقعية مئة في المئة إذ أن أحداثها تحمل حقائق اجتماعية وعلمية ونفسية. هذه “الخلطة” هي التي صنعت الراوية، وأدّت الرسالة كما أعتقد. فكل هذه الضروب المتداخلة لم تتعارض قط في إيصال الرسالة، خاصّة وأن كثير من النقّاد اعتبرها مميّزة كونها جمعت هذه الفنون بسلاسة العطاء. ربما، وأعيد، ربما قليل من الكتّاب لهم القدرة على ذلك وهذا ما يعطي كتاباتي نكهتها الخاصة.

** الحديث عن الجوائز مفخرة لمن فاز بأي منها؛ ففيها كفايات الشهرة، والمكافأة المادية. فهل تحدثنا عن رؤيتك لهذا الموضوع؟، سيّما، وأن مؤسسة الوطن العربي في لندن، قررت تكريس جائزة للرواية العربية باسمك، ابتداء من العام 2021.

       أشكرك على هذا السؤال، بداية أشكر مؤسسة الوطن العربي برئيسها د. سعيد علاء الدين وأعضاء مجلس الإدارة بتكريمي على هذا النحو وإنشاء جائزة أدبية بإسمي لتكريم روّاد     الرواية في العالم العربي. هذه الجائزة لا تعطى بسبب عمل أدبي واحد، بل بناء سيرة أدبية  مستمرة مما يعطيها مصداقية دائمة. ويسرني أن أهنئك لفوزك بجائزة هذا العام التي تستحقها بجدارة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!