الشاعر رضوان بن شيكار يستضيف الكاتب نور الدين محقق في زاويته أسماء وأسئلة

 

أسماء وأسئلة: إعداد و تقديم : رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الأسبوع الكاتب نور الدين محقق: مبدع الجمال وعاشق الفنون الجميلة
1- كيف تعرف نفسك في سطرين؟
أعرف نفسي في ميدان الكتابة بكوني كاتبا مغربيا عاشقا للآداب والفنون الجميلة.
2- ماذا تقرأ الآن؟
أعيد قراءة مؤلفات الفيلسوف الفرنسي الراحل جيل دولوز. أحب أن أقترب من عوالمه الفلسفية وأجدد صلتي به. فهو قريب إلى اهتماماتي الفكرية والجمالية.
3 – ما هو أجمل كتاب قرأته؟
كثيرة هي الكتب الجميلة التي قرأتها وإن كان لابد لي أن أختار، فإني أختار كتاب “ألف ليلة وليلة” لأني قرأته أكثر من مرة. وفي كل مرة، كنت أجده مختلفا عن السابق. إنه مجموعة الكتب الموجودة في كتاب واحد. إنه يُشكل لوحده مكتبة بورخيسية بامتياز.
4- متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
بدأتُ الكتابة وأنا يافع، في حوالي السادسة عشر من عمري، وقد كنتُ أكتب الشعر والنثر معا، لكني لم أنشر أي شيء من هذه الكتابات الأولى التي كانت عبارة عن تمارين أدبية وفكرية، كنتُ أرى من خلالها مدى صلتي بنفسي وبالآخرين. وكانت أول قصيدة شعرية تُنشر لي هي قصيدة “يا بنت غرناطة” وكان ذلك في سنة 1983 في الصحافة الثقافية المغربية، وبعدها توالت كتاباتي الشعرية منها والنثرية، وتمت عملية نشرها في صحف ومجلات مغربية ومشرقية ومهجرية.
5-ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
أحبُّ كثيرا مدينة الدار البيضاء، فهي مدينتي الأولى التي ولدت فيها، وقد كتبتُ عنها ثلاثية روائية، مثلما فعل الكاتب المصري نجيب محفوظ مع مدينة القاهرة، ومثلما فعل أيضا الكاتب الأمريكي بول أوستر مع مدينة نيويورك. كما أحب مدنا عالمية أخرى في مقدمتها مدينة باريس ومدينة نيويورك ومدينة لندن ومدينة روما.
6- هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
حين أنتهي من عمل ثقافي كتبته، والقيام بعملية نشره، أنساه، أو بالأحرى أتنساه، ولا أعيد قراءته من جديد. وحين تصلني أصداء طيبة عنه، أشعر بالفرح. فهو جزء من كياني وهو امتداد لي بشكل رمزي.
أما بخصوص أعمالي الثقافية المقبلة، فطبعا لدي أعمال ثقافية مثل غيري من باقي الكتاب الآخرين، وهي تنتظر أن ترى النور إن وجدت ناشرا مثقفا يهتم بها ويتحمس لعملية نشرها
7-متى ستحرق أوراقك الإبداعية بشكل نهائي وتعتزل الكتابة؟
هذا السؤال، هو سؤال وجودي مُقلق، يراود ذهن كل كاتب حقيقي من حين لآخر، فالكتابة نمرة شرسة، ومعاشرتها صعبة جدا، وهي تحتاج إلى عملية ترويض يومي للتحكم فيها، ومع ذلك، فسحرها هائل، ومن المستحيل أن يتوقف كاتب عن الكتابة إلا إذا هي توقفت هي عنه، وأبت الانصياع إليه وإلى أوامره المختلفة، بل حتى إلى توسلاته لها كما يفعل البعض.
8- ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟
الكتاب الذي أحببتُ بصدق وأنا بعد شاب يافع، أن أكون كاتبه الأصلي هو كتاب “ألف ليلة وليلة”. وقد شجعني على ذلك، كونه لا يحمل اسم أي كاتب على ظهر غلافه. بالمعنى أني ونظرا لعشقي الشديد له، رغبتُ في أن أكون كاتبه، حتى ولو أني ولدت وجئت إلى الكتابة بعد زمن طويل من وجوده. هذا الكتاب يتجدد باستمرار لدى كل قراءة لي له. ولقد رافقني وما يزال، طيلة حياتي الثقافية. وقد اشتغلتُ عليه أيضا في أبحاثي الأكاديمية المتعددة والتي صدر منها كتاب أول، حمل عنوان “كلام شهرزاد: مكونات السرد التراثي دراسة في ألف ليلة وليلة”. وطبعا ستليه كتب أخرى في نفس الموضوع.
9-وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
هناك بعض العادات التي رافقت عملية الكتابة بالنسبة لي، وتبعا لذلك يمكن اعتبارها طقوسا خاصة بها، منها ضرورة وجود فنجان قهوة بجانبي أرتشف منه جرعة بعد الأخرى من حين لآخر، وحين ينتهي أُهيء لي من جديد فنجانا آخر أو أطلبه إذا كنت موجودا في المقهى وليس بالبيت، وهو ما كان يفعله الكاتب الفرنسي الشهير هونوري دو بالزاك. وحين أكون منغمسا في الكتابة، من الضروري جدا أن أكون بعيدا عن الناس، حتى ولو كنتُ موجودا في المقهى. أفضل أن أعيش في عزلة الكتابة التامة، منقطعا إليها وهي منقطعة لي، وإلا فإنها ستفر هاربة إلى أجل غير مسمى، وتنقطع عني.
10-هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
الكتابة الإبداعية هي كتابة تنويرية ومن ثمة، فإن عملية تأثيرها تكون على المدى البعيد. إنها تسعى لغرس القيم الإنسانية التي تدعو إلى الانفتاح على الآخر، وهي تسعى إلى الحوار والتفاهم والتسامح. والكتابة وهي تفعل ذلك تفعله بحس إنساني كوني. أما المبدع / المثقف، فإننا لا يمكن لنا الحديث عنه بصفة مطلقة، إذ هناك أنواع من المبدعين والمثقفين. فهناك المبدع المشارك في قضايا بلده باعتباره فاعلا اجتماعيا وليس مبدعا فحسب، وهناك المثقف المنتمي، وهناك المثقف غير المنتمي. وهكذا. الكتابة الإبداعية تسعى لنشر الجمال. والجمال يسعى لإنقاذ العالم من كل أشكال القبح الذي يمكن أن يوجد فيه، كما يقول الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي.
11- شخصية في الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
أحببتُ في يفاعاتي، الكاتب اللبناني الألمعي جبران خليل جبران. وتمنيتُ تبعا لذلك، والتمني كما تعلمني اللغة، لا يمكن أن يتحقق، لو أني عشتُ في عصره وتعرفتُ عليه بشكل واقعي. وحين ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية استحضرتُ صورته وأنا أزور مدينة بوسطن حيت كان يقيم. ومن غرائب الصدف الجميلة أن لي بيتا في مدينة الجديدة في حي يحمل اسم حي “جبران خليل جبران”. أما لماذا جبران خليل جبران بالذات، فلأنه هو الذي حبب لي الكتابة بشكل قوي وجعلني أسعى إلى الكتابة بمفهومها الإنساني الكوني.
12-صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن ديوانك الأخير (العطر الليلي) الذي كتبته باللغة الفرنسية. كيف كُتب وفي أي ظرف؟
الأدب لا يأتي طبعا من فراغ. إنه عملية كيمائية شديدة التعقيد تحدث في وجدان وعقل وجسد الكاتب المبدع، وتدفع به إلى عملية كتابة ما يحس ويشعر به. إنه يتولد من التجربة من جهة ومن القراءة من جهة أخرى. وهو ما حدث معي، حين كنت أكتب ديواني الشعري باللغة الفرنسية والذي حمل عنوان “العطر الليلي”. هو عطر سحري بامتياز يشمل قصائد الديوان بأكمله، هذه القصائد التي تشكل في بنيتها الكلية كتابا شعريا ملتحما العناصر ومتوحد الرؤية، على حد تعبير الكاتب الفرنسي المدهش موريس بلانشو. هو كتاب حب، لكنه ذلك الحب البعيد عن البكائيات الرومانسية المعروفة، الحب الإنساني الكوني الذي هو سر الوجود بتعبير الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي. وقد كتبتُ هذا الديوان الشعري مباشرة باللغة الفرنسية ولم أقم بترجمة أي قصيدة عربية لي وإضافتها إليه، بحيث جاء منسجما في عوالمه الشعرية كما أعتقد طبعا أو بالأحرى كما أتمنى وأرجو، وللنقاد وعموم القراء واسع النظر في عملية تقييمه حسب مشاربه الفكرية والجمالية.
13- ما أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
أسوء ذكرى في حياتي هي موت أبي المفاجئ في حوالي الثامنة والأربعين من عمره، وأنا بعد يافع. أما أجمل ذكرى، فهي لحظة حصولي على الشهادة الابتدائية. كانت لحظة مميزة في حياتي. فهي الشهادة الأولى التي أحصل عليها في مساري التعليمي. وما الحب إلا للحبيب الأول.
14- كلمة أخيرة
في حياتي الثقافية كلها كتبتُ كلماتي الخاصة بي التي لا تنتمي إلا لتجربتي الشخصية ولقراءاتي العميقة في الآداب العالمية الكونية، العربية منها والغربية، وذلك في إشعاعها الإنساني العميق، وقد كتبتها بشغف وبمحبة. لم أسعَ إلا لبناء عالمي الثقافي الخاص بي دون سواي، وذلك من منظوري الذاتي المنفتح على الأفق الكوني في سعته. ولا أريد من كل هذا، سوى أن ألتقي بقراء رائعين وذوي أفق كوني إنساني. يرون الجمال فيما أكتب، وفيما أقول أيضا…!

عن رضوان بن شيكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!