قلتُ لها :
ثمَّةَ فِتنةٌ في الكون
الموتُ يستفِزُّ الأرضَ
وصوتٌ تحملُه الرِّيحُ إليَّ :
أنتَ ابنٌ غيرُ شرعيٍّ لهذا البلد ..
السَّراويلُ الضَّيقةُ
لا تليقُ بهذا البلد
كلُّ القوانينِ نصوصٌ هزليَّةٌ
لِمَ تبدو المؤسساتُ الرَّسميَّةُ
كأنَّها ملاهٍ
أو مسارحَ للتَّعرِّي ؟
المشاعرُ صامتة
لم تعُدْ تهدرُ كالبحرِ
البحارُ تموتُ
والمشاعرُ تموتُ ..
أتذكرُ تلك المرأةَ
كانت تستحضِرُ الجِنَّ
وكانت تستحضِرُ الخوفَ
إلم تقُلْ لكَ ذاتَ يومٍ :
إنَّ المشاعرَ مُعلَّقةٌ
كأشلاءِ الذَّبيحةِ في مَلْحَمة ؟
لا تشربْ من ذلكَ الكأس
لونُ الماءِ فيه يتغيَّرُ باستمرار
لا تشربْ من ذلكَ الكأس
أخافُ أن تبوحَ بأشياءَ
تُغضِبُ الآلهة ..
السَّاعةُ تدقُّ
لتُعلنَ نهايةَ اليومِ الأوَّلِ
من عامِ الفيل
جاءوا إليَّ برأسِ الهُدهدِ
معلَّقاً بشوكة
فعلمتُ أنَّني أعيشُ بأرضِ الطُّوفان ..
كلُّ الاحتمالاتِ قابلةٌ للتحقُّق
إلَّا لوناً واحداً
لا يُشبِهُ الألوانَ
لا أدري ماذا سيحدثُ ..
سأُغلقُ أبوابَ صدري بكمامة
بيتي كانَ بلا سقفٍ
حتى جاءتْ غيمة
فصارتْ سقفاً لبيتي
رُبَّما جاءتْ
لتحجُبَ صوتِي عن السَّماء ..
لم أعُدْ أعرفُ شيئاً
قال لهم الطَّبيبُ :
لقد فقدَ ذاكرتَهُ السِّياسيَّة
وفقدَ ذاكرتَهُ الثَّقافيَّة
فقدَ اسمَه
وعينيه
فقدَ لسانَه
وشفتيه
فقدَ الاستجابةَ للحبِّ
إنَّه الآنَ يتقمَّصُ صوتَ الببَّغاء
إنَّه الآنَ يرتادُ دورَ البَغاء ..
لم يعُدْ يُصغي لأحدٍ منذ أنْ ماتتْ أمُّه
يبدو أنَّه لم يعُدْ يستجيبُ لأيِّ دواء
كلُّ الأعراضِ التي تظهرُ على جسدِه
من ذلك الدَّواء
يبدو أنَّه غيرُ قادرٍ
على أن يستجمعَ شجاعتَه من جديد
العقلُ لا يعملُ
الجسدُ لا يعملُ
لم يعُدْ يشعرُ إلَّا برائحةِ الفسادِ
تعبَقُ بالمكان ..
منذُ أوَّل الرَّبيعِ لم يقُلْ لها :
صباحُ الخير
منذُ أوَّل الرَّبيعِ
والدُّموعُ تملأُ الرُّوح
والعيونُ خارجَ العيون
منذُ أوَّل الرَّبيعِ
وهو كطيرٍ مذعور
منذُ أوَّل الرَّبيعِ
تغيَّرَ لونُ السَّماءِ
صارَ كوجهِ البلدِ أسود ..
منذُ أوَّل الرَّبيعِ
لم يكتبْ حرفاً واحداً عن حبيبتِه
لم يقُلْ لها إنَّي أحبُّكِ
لعلَّها لا تعلمُ
أنَّ الموتَ يدعوهُ لسهرةٍ
في فندقٍ من فنادقِ العيارِ الثَّقيل ..
لم تكُنْ تعلمُ أنَّه أنا آخر
يسيرُ بحذاءٍ آخر
ويُفكِّرُ بعقلٍ آخر ..