مهزلة عاديّة هيثم الأمين (تونس )

اللّيلة، أيضا، وأنا أنتزع مسامير الحزن الصّدئة
من خشب صدري
عليّ أن أكتم صراخي
حتّى لا أوقظ أحلامي المرهقة التي سبقتني إلى النّوم
خوفا عليها من أن تصيبها نوبة هلع شديدة فتقرّر الانتحار
وحتّى لا أُفزِعَ الحكاية المستلقية على شفة الرّاوي
فتُجهِضَ معناها…
اللّيلة، أيضا، وأنا أقتلع الأسماء القديمة
من أديم ذاكرتي
حتّى لا تكبر أكثر
فتصير أشجار حزن شائكة و عملاقة
عليّ أن لا أبكي
فموتى
– حديثو الإقامة بمقبرة قريتنا –
خرجوا يجوبون الوجوه بحثا عن عيون ناضجة
ليضيئوا بها قبورهم
يعد أن تأخّرت مصلحة صيانة القبور عن الوصول
إثر عطل مستعص في مصعد السّماء، كما ورد في نشرة الأخبار!
الليلة، أيضا، سأجمع زهور الملح
من حقول الغياب الممتدّة على ضفاف النّساء اللّواتي نجون من مكائد أصابعي
لأصنع منها أكاليل أتوّج بها رؤوس جثثي الكثيرة
ثمّ نحتفل معا
على شرف هذه المدينة التي لا شيء ينمو فيها إلّا نباح الكلاب في أصص العتمة
بآخر هزائمنا…
الليلة، أبضا، سأسمع سعال “وحدتي” وهي تمرّ في الرّواق
كإشارة منها
أنّها، وككلّ ليلة، عادت باكرا من “الجميع”
وأنّها، كما أطراف الموتى، تشعر بالبرد
بينما، أنا، وككلّ ليلة، أيضا، لا أفتح لها باب غرفتي
ولا أدعوها لتشاركني ما تبقّى من قهوتي ومن الحكاية بين شفتيّ
فوحدتي ثرثارة جدّا
وتصرخ كثيرا
وأنا.. أريد أن أنام!
إنّها… تقف في الرّواق
أمام الإطار الكبير المعلّق على الجدار؛
الإطار الذي تَشغَلٌهُ صورتي القديمة
وككلّ ليلة، ها هما يثرثران
ويتبادلان الشّتائم و الأطراف الباردة
وأحيانا، كلمات الحبْ
بينما ذبابة، في غرفتي، تغنّي أغنية هابطة
ولا تردّ على هاتفها الجوّال!
وهذا يزعج نومي الذي يريد أن ينام….
أمّا خارج كلّ هذه المهزلة،
فيجلس كرسيّ يعاني من آلام المفاصل
في الرّكنْ
يشبك إحدى أرجله برجل الطّاولة التّي ادّعت الخجل
و يحاول كتابة قصيدة
بدأها بـ: اللّيلة، أيضا، …

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!