بقلم الناقد / محمد رمضان الجبور/ الأردن
الأسطورة من العناصر التي قد لا يخلو منها نصّ أدبي ، فهي المعين الذي لا ينضب عند الأدباء ، وقد تكون عند الشعراء لها المكانة الاسمى والأعلى ،فقد دأب الأدباء على توظيفها في إبداعاتهم الأدبية بما يناسب مجتمعاتهم وقناعاتهم وأفكارهم ، وبغض النظر عن تنوع الأساطير ومصادرها ، إلا أن لها الحضور المميز في النص الأدبي وقد عرفوا الأسطورة فقالوا : الأسطورةهي:«تفسيرأوقصةرمزيةترويحادثةغريبة،أوخارقةللطبيعة،توجدفيثقافةفرعية،وتتميزالأسطورةبتناقلها،وانتشارهاعلىنطاقواسع،وتأثيرهاالعميقنتيجةماتنطويعليهمنحكمة،وفلسفةوإثارةوإلهـام»[1]
وقد تعددت تعريفات الأسطورة لتعدد أنواعها وطبقاً للمناهج التي تناولتها بالدراسة ، ولسنا بصدد الخوض بتعريف الأسطورة والخوض بتفاصيلها ، بقدر ما يهمنا توظيف الأسطورة في ديوان الشاعرة د. كريمة عيساوي (بقايا امرأة ) فقد أولت الشاعرة اهتماماً خاصاً بالأسطورة ، ونجحت في توظيف الأسطورة في ثنايا قصائدها وفي مواقع متعددة من ديوانها (بقايا امرأة )
ففي قصيدة (الحلمالايكاروسي )تقول الشاعرة :
وأنتتزحفينإلينا ..
معلنة
دقاتالوداع…
تسرقين،
هذاالحلمالايكاروسي
تلفينهبصرخاتالجياع
علىأبوابالشبع،
تلونينهبسوادالثكالى
……………..
تكتبعلىجماجمكمالمسطحة
ماتالحلمالايكاروسي
ونسيصوتايصدح،
ستسقطشلالاتبيضاء
منسيولعتمةالسماء
فتفرونكالجرذان…
إلىمواقدالخشب
ويبقىالصبييدون
التفاهاتالبشرية
علىالأرضاليباب[2]
ففي هذه القصيدة تستحضر الشاعرة أسطورة أيكاروس[3] ،.
توظف هذه الأسطورة في الحلم الذي لا يأتي ، حلم كحلم ايكاروس ، فقد كان يحلم بالحرية ، بأن يخرج من سجنه ، إلا أنه قد نسي أن جناحيه قد تم تثبيتهما بالشمع ، فكانت الشمس والحرية عدوا له ، فقد وظفت الشاعرة هذه الأسطورة في وصف حلم لا يتحقق .
وفي قصيدة (خيوط البوح ) توظف الشاعرة د. كريمة عيساوي ، مفردة (الرخ) [4] ، وتختار هذا الطائر الأسطوري لحمل عباراتها وحروفها ، وفي ذلك أكثر من دلالة ، فالشاعرة يحق لها أن تفخر بما يخط يراعها ، بعد أن أصابها التعب ، وخلدت إلى النوم .
أحضنحروفيمنوحشةالغياب…”
أنسجمنخصلاتالعبارة
جدائلمعلقةبجداولالحياة
يحملهاالرخبينجناحيالسماء
يغوصفيبحورالمعنى
فيالمساءأعودلطاولتيالقديمة….
أعناقيراعيالصغير
أنام على كراستي” [5]
وفي قصيدة (كفن الرزايا) ترد مفردة أورفيوس[6] وأروفيوس من الأساطير اليونانية ، وظفت الشاعرة هذه المفردة في القصيدة ، فقد اعتاد الشعراء المناداة على أصحابهم وأصدقائهم ليحملوا شيئاً من الهم عنهم ، يواسوهم ، أو يشاركونهم أفراحهم ودائماً سواء في الأفراح أو الأحزان نبحث عن الأصدقاء
“أورفيوسياصديقي
تمسكبيدي
ورفرففوقضبابالرؤيا
فحوافرأسنةالهزيمةتحيك
كفنالرزاياعلىقفرالأيام،
تمسكبيدي …
وامش …
علىلجةسحابمرآتي
أورفيوسياصديقي
التفتكيأسقطمنك ..
رويدا
رويدا” [7]
وفي قصيدة (ترياق خيانة ) تتكرر مفردة أورفيوس وتوظفها الشاعرة في سياق آخر ، فهذه الشخصية الأسطورية اليونانية كما قلنا لها في الغناء والموسيقى ، فقد كان يعزف ويؤلف الأغاني لحبيبته ، فقد وظفت الشاعرة هذه الأسطورة في هذا الجانب ، فالشاعرة تراه يعزف أوتار الملحمة الخالدة :
“أورفيوسالصاعدإلىالعالمالسفلي
يعزفأوتارالملحمةالخالدة،
هاهيعشتارتحملعنهالكمنجات…
ليَعْزِفالآحجياتقرباناأمام
إيزيسفيبستانالزعتر”[8]
بقي أن نقول أن الشاعرة د. كريمة عيساوي استطاعت بفضل ثقافتها الواسعة واطلاعها على مصادر متنوعة من الثقافة ، ومقدرتها اللغوية ، وأسلوبها المتميز ، من أن تأسس لنفسها خط مسيرتها الشعرية الخاص بها ، وقد استطاعت تطوير أدواتها الفنية لتسمو بها نحو الأبداع والتجديد ليلائممقتضياتالتطوروالحداثةفيالمسيرةالشعريةالمعاصرة.
ويظل ديوان (بقايا امرأة ) البطاقة الرابحة للدخول إلى محراب الشعر من أوسع أبوابه .
[1]( ) – محمدعاطفغيث،قاموسعلمالاجتماعدارالمعرفالجامعية،ص296.
[2]ديوان بقايا امرأة ص 17
[3]أسطورةمنالميثولوجيااليونانيةتحكيقصة “إيكاروس“،الذيكانمحتجزاوأباهفيمتاهةجزيرة “كريت”عقابالهمامن “مينوس“،ملكالجزيرة. للهربمنعقابمينوس،استعانالاثنانبأجنحةثبّتاهاعلىظهريهمابالشمع،أثناءهروبهمنمنفاهالمتاهة،حلّقالابنإيكاروسقريبامنالشمس،متجاهلانصيحةوالده،فهوىصريعابعدانأذابتأشعةالشمسالشمعالمثبّتلجناحيه،
[4]الرُخّطائرأسطوريهائلالحجم،تذكربعضالرواياتأنهقادرعلىحملكركدن،وقدوردذكرهفيرحلاتالسندبادالبحريفيكتابألفليلةوليلةوقدوردذكرهفيرحلةابنبطوطةعندحديثهفيرحلةخروجهمنالصينإلىالهند،ويرجعأصلذكرهللرحالةماركوبولو،الذيأشارإليهفيوصفهلمدغشقروالجزرالأخرىقبالةساحلأفريقياالشرقية،كماتمّذكرهفيالحكاياتالعربية،حيثتمّوصفهبكونهطائركبيراستطاعحملالفيلةوالحيواناتالأخرىالكبيرةليتغذىعليها.
[5]ديوان بقايا امرأة ص 26
[6]وهوكاتبوموسيقيأسطوريإغريقيونبيفيالديانةاليونانيةالقديمةوفيالميثولوجياالإغريقيةوقدتمتأليفعدةقصصحولهوحولحياته،وقدقيلأنهألفعدةأغانيلأجلزوجتهيوريديسمنالعالمالسفليالإغريقي. تعلمالعزفمنأبوهأبولوفاصبحبعزفهيجتذبالحيواناتوحتىالجمادمنحولهليستمعوالألحانه. كتبعنهشعراءرومانيينمثلأوفيدوجوفينال
[7]ديوان بقايا امرأة ص 58
[8]ديوان بقايا امرأة ص 77