الصورة المقابلة في مجموعة “حنين وسبع أخريات” للقاص محمد الصمادي/ بقلم الشاعر والناقد: عبدالرحيم جداية

توطئة:
حمل كتاب حنين وسبع أخريات، القصة في نماذج المدير، والرحلة إلى الموت، وعلى سرير الشفاء، وغيرها من القصص، مثل فرح ولا شيء يدوم لي حيث سيطر على هذه القصص، مفردتي الحزن والموت، كما سيطر عليها الجرح العربي والوطني، مجسدا وعيا واضحا للمحيط السياسي، في ثنايا قصصه التي عالجها بسخرية اجتماعية وثقافية وسياسية واضحة.
لم يجنس محمد الصمادي كتابه، إذا أشار إلى أنه تراتيل ومزامير، تراتيل حملت القصة والقصة القصيرة، كما حملت السيرة، في نص سيرة عبد ربه، وحمل الكتاب رسائل عدة، إلى القاص رمزي الغزوي، ورسالة إلى قنوت، كما حمل الكتاب يوميات ميت على قيد الحياة، وفي حنين وسبع أخريات، النص الواقع في الصفحة ،124 يرحل محمد الصمادي مع الشعر، ويكمل في قميص الرغبة نزعته الشعرية التي تستمر في قصائد، مرام ووجد وحالات، ليختم الكتاب بإضاءات ثلاث للكاتبة أسيل العبادي.
لهذا لم يحمل الكتاب تجنيسا خاصا به، لكنه حمل رؤية الكاتب محمد الصمادي، الحياتية والثقافية والاجتماعية والسياسية، في نصوصه المتعددة التي اقتناصها في غالبها من واقع معاش.
وهذه الدراسة، التي أخذت قيمة الصورة، والصورة المقابلة، ارتكزت على النصوص القصصية، التي حلق فيها محمد الصمادي في تقنياته السردية، حتى أن قصصه لم تأخذ قالبها الكلاسيكي، بل تناول جوانب تجريبية، في مجمل قصص حنين وسبع أخريات، التي أخذت طابعها الخاص في القص والسرد والتقنيات، فعلى المتلقي أن لا يحكم مسبقا قبل قراءة نصوصه، بل عليه أن يتعرف إلى محمد الصمادي القاص، في تقنيته الخاصة التي استمدها من ذاته وحزنه وحنينه.
أنّ المتتبع للحركة القصصية الأردنية يجدها متضاربة المزاج القصصي، فالمطلب الرئيسي عند القاص البحث عن (الحداثة)، وكل ما يقابله أو يسير على عكس وتيرته يسمى بالقص أو الأدب (الكلاسيكي)، ليأخذ مصطلح الكلاسيكي معنى غير ما بني عليه، وفي إشارة واضحة أن الكلاسيكية هي ضرب من العمل القصصي التقليدي، فعلى أي المصطلحين النقديين يعمل القاص محمد الصمادي في مجموعاته القصصية، يوميات ميت على هامش الحياة ومجموعة حنين وسبع أخريات.
قبل الإجابة على السؤال نطرح المفهومين، محاولة للفهم فهل كل الحداثة جمال وهل الكلاسيكية هي كتابة تقليدية؟
يبدو أن هناك تضاربا واضحا في فكر المتلقي حول المفهومين، وقبل أن نحدد قيمة الحداثة والكلاسيكية على الباحث والمتتبع أن يتعرف إلى قيمة (التجريب) في العمل الحداثي أو الكلاسيكي، مما يثير تساؤلاً آخر، ما الذي أعطى ما يسمى بالحداثة حداثته..؟ هل هي اللغة أم التراكيب أم الخيال أم تقنيات القص أم كل هذا مجتمعا؟ وهل نجد هذه التقنيات في ما يسمى بالكتابة التقليدية؟
لا يميل الدارس إلى هذه التصنيفات، لعدم موضوعتها ولأن النص القصصي يأخذ قيمته من دواخله العميقة، التي شكلتها ثقافة القاص ولغته وتراكيبه وتقنياته، فالنص القصصي في مجموعة حنين وسبع أخريات، عند القاص محمد الصمادي، 1- نص مرن الحركة في جمله التي تشكل 2- مشاهدها ولوحاتها في سلاسة، بانيا علاقاته الجمالية في النص القصصي 3- بفنية القاص البصير، الذي يعرف هدفه ويحبك أطراف قصته ليحقق هدفه بدقة، وما ترمي إليه القصة من ملامح اجتماعية يعالجها ببراعة المصور، الذي 4- يجمع صورة ومشاهده في بناء تقني، مقدما خبرته، 5- بمكر القاص ودهائه، لنتعرف في مجموعة إلى 6-قاص أتقن رؤيته للحياة، كما 7- أتقن تمثيل تلك الرؤية في نص قصصي متماسك البناء في وسطه وأطرافه، مشيرا بخفة ورشاقة إلى كثير من معطيات لم نلتفت إليها طويلا لكنه يغمزها بصنارته صيدا ثمينا.
الصورة المقابلة:
ما الذي ينتج الصورة؟ سؤال بسيط حيث تنتج الصورة من مكونات طبيعية، والتي تتشكل بعلاقات جمالية، لكن الأولى بالسؤال ما الذي ينتج الصورة الجميلة؟ فالصورة الجميلة لها مكوناتها وعلاقاتها الجمالية، لكنها تسمو بجمالها بقيمة كتلتها الفنية، التي تتناسق جماليا مع الفراغ الذي يعطي الكتلة علاقة جمالية إبداعية، تظهر فيها الصورة علاقة جمالية خالصة، ومع هذا نعود للسؤال ما الذي يعطي الصورة الأجمل؟
ليست فقط العناصر والتراكيب والعلائق الجمالية، والكتلة والفراغ، هي التي تعطينا العمل الأجمل، لكنها تلك التفاصيل الصغيرة، التي يلتقطها الفنان مشكلا صورته من شكل وخلفية، بلمسات ضوئية تعطي الحس للصورة فتنبض بالحياة.
إن كانت الصورة كاملة بكل عناصرها، فهل هي الصورة الأجمل..؟ أم أن هناك صورة أكثر جمالا تثير الدهشة..؟، بمفارقتها وما تحويه من علائق تضفي للصورة الأصلية إبداعا ذاتيا وإنسانيا وثقافيا واجتماعيا وتراثيا، فلا تكتمل الصورة إلا بالصورة المقابلة.
القصة والصورة المقابلة:
هل يمكن للباحث أن يتتبع صورة تميزت بكل مكوناتها الجمالية، وشكلت مشهدا قصصيا أو لوحة درامية تبدو متكاملة الجمال كما في قصة (رحلة إلى الموت) والتي يقول فيها محمد الصمادي “الألم يشتد ويتجدد الحزن كما تتجدد الأيام والليالي، الحياة محطات متجددة للشقاء والألم والحزن تكرر نفسها”، ” وأيوب ما زال صابرا” هذه المشهدية العالية، شكلت صورة تقف بحد ذاتها بكامل جمالها لكن الصورة المقابلة، التي استعارها محمد الصمادي من التراث، حتى يعطي للصورة تمام جمالها ودهشتها وروعتها، أحالنا إلى صورة ذهنية تاريخية في الألم والصبر والشقاء والحزن ألا وهي، صورة أيوب حينما قابل ذلك المشهد بقوله “وأيوب ما زال صابرا” وهنا ندرك قيمة الصورة والصورة المقابلة التي لا تأتي مجانية بل لها كيانها وقيمتها في اكتمال الجمال والدهشة، ضمن قالب السرد القصصي والجملة والتراكيب، التي يعيد تشكيلها القاص محمد الصمادي في تقنية قصصية خاصة به مشكلا الصورة والصورة المقابلة في لوحة فنية مشهديه يكتمل الجمال بها.

نماذج من الصور المقابلة:
إن تقنية الصورة المقابلة في العمل القصصي ليست تناصا أو استجلابا بل هي كينونة تتشكل من شقين، 1- شق الصورة، 2- وشق الصورة المقابلة اللذان يعطيان الصورة الكلية للمشهد، والتي تحفل بها مجموعة حنين وسبع أخريات موضع الدرس لهذه التقنية الفنية القصصية التي أبدعها القاص محمد الصمادي
1- الصورة المكونة من شقين:
لقد جاءت الصورة المقابلة “وأيوب ما زال صابرا” جزءا واحدا متكاملا مع المشهد الذي شكل الصورة، إلا أن هذه التقنية لم يتوقف عندها محمد الصمادي في صوره المقابلة، بل أبدع نماذج متعددة من الصور المقابلة التي تشكلت من شقين متقابلين، فهل ندرس الشقين على أساس 1- التقابل أم ندرسها على أساس 2- الثنائيات الضدية أم هي 3- صورة مقابلة لصورة أساسية.
كانت الرتابة عنوانا والرتابة القاتلة مفردتها التي شكلت من المشهد علاقة تربط شقي المشهد بصورة وصورة مقابلة حيث تحدثت الصورة عن المرض والأطباء مشكلة صورتهم في موضع الرتابة بأسلوب مقارن بين شقين إذ يقدم لنا صورة أولى يقول فيها في ص (39): 1- “لا بد أنه المرض اللعين، الأطباء ينظرون إلى مرضي على أنه شيء عادي جدا” هذه الصورة التي يقدمها عن مهنة الطب ورتابة المهنة عند بعض الأطباء في صورة عادية، وجمل عادية تبدو بسيطة سهلة في شقها الأول، لكن الشق الثاني للصورة الذي لا يعكس الصورة بل يعكس ما يقابها بصورة مقابلة تثير السخرية ويكتمل المشهد بقوله 2- “الأطباء كعامل البناء والميكانيكي يتعاملون مع الأشياء برتابة قاتلة”، عندما يكتمل المشهد بشقي الصورة والصورة المقابلة تتضح المقارنة الساخرة في تقنية الصورة المقابلة عند القاص محمد الصمادي الذي يقدم لنا مزيد من الصور المقابلة.
2- صورتين متقابلتين لصورة الموت:
تتعدد تقنيات الصورة والصورة المقابلة عند محمد الصمادي، ولا ينسى موروثه الديني في استحضار صورة الموت، وصورة الميت المسجى على السرير، مقدما صورة الميت والصورة المقابلة لها المتكئة على النص القرآني الذي جاء في سورة الحديد آية (13) في قوله تعالى: “باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب” هذا الاستحضار القرآني شكل صورة مقابلة للنص القصصي في مهارة القاص البارع السلس الذي يأتينا بالصورة والصورة المقابلة دفعة واحدة بقوله “وأنا بين موت وموت مسجى على السرير ظاهره أبيض وباطنه العذاب”
في هذا النص كان لزاما توضيح الصورة المقابلة التي استمدها محمد الصمادي من القرآن الكريم لفهم الصورة الأولى، ألا وهي صورة الموت، والتي فهمت فيها الصورة الحقيقية من خلال الصورة المقابلة حيث الظاهر والباطن مفردتان شكلتا الصورة عند محمد الصمادي والصورة المقابلة المستمدة من سورة الحديد.
فهل يكتفي محمد الصمادي بصورة مقابلة واحدة أم أنه يحيلنا برشاقة في نفس النص “وأنا بين موت وموت مسجى على السرير ظاهره أبيض وباطنه العذاب” يحيلنا إلى أمل دنقل باستخدامه (مفردة الأبيض) حيث يقول أمل دنقل في قصيدة له:
” في غرف العمليات
كان نقاب الأطباء أبيض
لون المعاطف أبيض
تاج الحكيمات أبيض
أردية الراهبات أبيض
الملاءات
لون الأسرة، أربطة الشاش والقطن
قرص المنوم، أنبوبة المصل
كوب اللبن
كل هذا يشيع بقلبي الوهن
كل هذا البياض يذكرني بالكفن”
هنا يستثمر القاص محمد الصمادي صورتين مقابلتين لمفردة الموت ارتبطت الأولى بالآية القرآنية “باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب”، وجاءت الصورة المقابلة الثانية بقول أمل دنقل: “كل هذا البياض يذكرني بالكفن”، فكيف استطاع القاص محمد الصمادي أن يأتي بصورتين مقابلتين في جملة واحدة؟
ولو تدبرنا النص لربما انثالت علينا صور مقابلة أخرى تحملها هذه الجملة كما تحمل المجموعة القصصية حنين وسبع أخريات هذه التقنية القصصية الرائعة في تشكيل الصورة من خلال الصورة المقابلة.

3- الصورة المقابلة الغرائبية:
ربما تحمل الغرائبية الكثير من الوهم والخيال، الكثير من المعقول واللامعقول، الكثير، مما تعيه الحواس ومما يفوق حواسنا في هذه الغرائبية يأتينا محمد الصمادي في ص (42) بصورة مقابلة للطب غاية في الروعة إذ يقول في صورة أولى عادية: “الآلام تزداد وقدري بين يدي الطبيب، لا بد من إجراء عملية جراحية لتخليصه من الآلام”، هذا ما يقدمه لنا محمد الصمادي عن العملية الجراحية التي يحتاجها المريض ليتخلص من آلامه لكن المخدر الذي أدخله في هلوساته وأسقط المريض في وهم لم يدرك ماهيته ليأتينا بصورة مقلوبة غير متوقعة عن العملية وغرفة العمليات بقوله: “الغرفة بدأت تكتظ برجال الفضاء”، صورة مقابلة كوميدية ساخرة.
وهذا يأخذنا للتقنيات المتعددة التي يزاوج بها محمد الصمادي في صوره المقابلة بعالم من السخرية، ولا أقول هنا أنه كاتب ساخر بل هو التأكيد على قدرة محمد الصمادي على السخرية ببساطة شديدة في أصعب المواقف، وهذا يضاف لإبداعه القصصي.

4- الصورة المقابلة في بعض التراث الإنساني:
إن استحضار التراث العربي له قيمته في التقنية القصصية عند محمد الصمادي لكن استحضار التراث الإنساني عند بعض الشعوب التي لا تدفن موتاها بل تحتفل بمراسم حرقهم والاحتفاظ برمادهم، أو ذر هذا الرماد في الهواء أو البحار أو الأنهار.
فثقافة القاص محمد الصمادي هي ثقافتنا في صورة غسل الميت وتكفينه وتجهيزه للدفن والصلاة عليه صلاة الجنازة، وطقوس الدفن الأخرى والعزاء هي الصورة الذهنية الأصلية في ذاكرتنا لكنها تمثل بعدنا الثقافي الخاص فلكي نقارن بين بعدين ثقافيين استحضر في خفة ورشاقة صورة الشيخ يوسف الذي يغسل الموتى، ويقول بصوت عال يسمعه الميت حسب اعتقادنا الديني الاسلامي، لكن محمد الصمادي جاء بالصورة المقابلة الثقافية ببساطة بقوله “اسمحوا لأبنائه وبناته أن يلقوا عل رماده النظرة الأخيرة” فقد استبدل كلمة بكلمة، الكلمة الأولى أن يلقوا على جسده النظرة الأخيرة هي الصورة المعروفة لدينا لكن الصورة المقابلة التي نجح باستثمار ثقافته وتحريك وعينا وأحاسيسنا قوله “أن يلقوا على رماده النظرة الأخيرة”.

5- صورة مقابلة ساخرة:

هل يمكن للصورة الأصلية والصورة المقابلة أن يمتزجا في كيان ساخر؟
فالسخرية حالة انفلات المعقول من اللامعقول، حيث يشكل هذا الانفلات صورة كوميدية في نظر البعض، وحزينة في نظر الآخرين، فالميت المسجى أو المحمول على الأكتاف في قصة (رحلة إلى الموت)، حيث الميت قلق يفكر بحالة وكأنه ما زال على قيد الحياة، استنهض هذه الصورة، بصورة الميت القلق بقوله على لسان الميت، الذي يسمع أصوات المعزين حوله “ليتني أستطيع النهوض”.
فلماذا يريد النهوض ربما ليرى معزيه أو ليتعرف إلى أصحابه أو الذين مشوا في جنازته، وهذه الصورة معقولة مخلوعة من اللامعقول اللا مرئي، الذي لا يعرف عنه شيئا في عالم الأموات، مع هذا تبقى الجملة المعقولة في عالم اللامعقول، لكن أين مدار السخرية والمفارقة الضاحكة في هذا النص..؟ الذي نجده بقوله: “ليتني استطيع النهوض، فهذا أفضل مكان أستطيع الخطاب فيه”، أسقط حالة الحياة على الموت، وأخرج من اللامعقول أكثر دهشة، لكنه يضيف لتكتمل الصورة الساخرة في عالم اللامعقول على لسان الميت المسجى، بقوله: “ليتني أستطيع النهوض، فهذا أفضل مكان أستطيع الخطاب فيه، فالانتخابات على الأبواب”.
هكذا يفكر الأحياء، أو بعض الوصوليين من الأحياء، الباحثين عن الجاه من خلال خوض الانتخابات، والخطاب بين الناس وتحقيق الذات بجمع الأصوات في أي عملية انتخابية سياسية أو اجتماعية.
من الصور الساخرة في ص (53) حين قرر الطبيب إدخاله لإجراء عملية ساخرا من عمل الأطباء بتفتيت الحصى بقوله: “إجراء عملية حفر في الجهة اليسرى من جسدي كجهد وطني للتنقيب عن المعادن”
ومن الصور المقابلة الساخرة قوله على لسان حمدان “تذكر أنه لم يكن مسؤولا عن ارتفاع المديونية في دول شرق آسيا”.

6- الصورة المشهدية الغائبة والصورة المقابلة:
تحركنا الصورة المقابلة، والصورة الشبيهة، والصورة الغائبة، لأنها تسمح لعقولنا بالحركة، والتوسع حتى نشكلها لأذهاننا بشكل أجمل، من الصورة التي نبصرها بعيوننا، وهذا ما نعبر عنه بالشبيه والغائب، حيث جسدت قصة المدير في حنين وسبع أخريات، الصورة المقابلة المشهدية، التي تشكلت مع الحدث وشكلت شخصية أم علاء وحمدان والمدير والموظفون، حيث يقوم المشهد على موقف المدير الذي يفكر بالسفر والزواج، من شخصية غائبة، لم نرها ولم تعبر عن نفسها في أحداث الرواية، لكن الشك حام حول المدير بأنه سيتزوج من ابتسام، فتنادت حقوق المرأة تجاه زوجة المدير، الشخصية الغائبة أيضا، لحمايتها من ذلك الزواج والدفاع عنها عند الزوج.
لكن المشهد الحقيقي المتحرك، الذي شكل صورة مقابلة لمشهد غائب أو مشهد مقابل، لمشهد غائب، مشهد مقابل تحركت فيه مآسي المستخدمة أم علاء التي فقدت تركيزها، ولم تجد بيتها وأخطأت جيرانها، لأن المستخدمة أم علاء ليست فقط في أسفل السلم الوظيفي، بل أن زوجها كما ورد ص (25) حين قالت أم علاء: “اللعنة غالبية الرجال هكذا” فهي الموظفة التي كافحت وتكافح من أجل بيتها وأبنائها، وزوجها الملقى في السجن، الذي تركها تصارع الحياة دون أن تلتفت لها حقوق المرأة ولجانها، مما شكل دهشة ومفارقة مشهدية في صورة أم علاء، المقابلة بفقرها لصورة زوجة المدير الفنية وابتسام الحزبية المثقفة.

الختام:

تؤكد المشهدية على القيمة الفنية في حنين وسبع أخريات عند القاص محمد الصمادي، في تعدد تقنياته المبنية على الصورة المقابلة، فهو لم يقف عند حدود الجملة والإتكاءات على الموروث الديني والقرآني، وغيرها من التقابلات التي أجراها بفنية عالية، مذكرا القراء والنقاد بأهمية التقابل، إذا استخدم بأسلوب فني رفيع وليس التقابل عبارة عن صيغة بلاغية بين شيئين، أو تضاد يحمل الشيء وضده أو ثنائيات ضدية، لا تكون تقنية فنية في المشروع القصصي، بل يجمع محمد الصمادي كل هذا بتقنيات فنية، تقوم على التقابل ولكنه ليس التقابل المعهود فهو لا يورد محسنات بديعية، بل يبدع تقنية فنية في التقابل، وإذا أراد البعض أن يشير إلى هذا التقابل على أنه تناص، كما ورد في بعض الحالات في تشبيه أيوب لكنه كثير من صوره المقابلة، لم يوظف تناصا بل طوره إلى تقنيات قصصية جميلة وجديدة تحمل طابع القاص محمد الصمادي، في مجموعته القصصية حنين وسبع أخريات.

هل كان للصورة الفوتوغرافية أثر على البناء القصصي في الصورة والصورة المقابلة؟
لفهم وتحليل هذا السؤال لا بد من التعرف إلى شخصية القاص محمد الصمادي، شخصية هادئة متزنة ينظر عميقا في الأشياء، ويسمع ما يحيط من حوله، حواسه متيقظة رغم هدوئه الكبير، إلا أنه يلعب دائما دور الراصد من خلال حواسه، ولا يكتفي بدور الراصد، بل هو الراصد والمحلل للأحداث والباني للعلاقات الثقافية والاجتماعية، مستثمرا أدق التفاصيل.

فهل هذا ما جعل منه مصورا أو هذا ما جعل منه قاصا متألقا بتقنياته القصصية

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!