قراءة في رواية: مصابيح أورشليم. بقلم أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة

 

 

قراءة في رواية: مصابيح أورشليم.

الكاتب: علي بدر.

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

. طبعة ثانية 2009.ورقية.

 

بقلم – أحمد العربي

علي بدر كاتب عراقي متميز، غزير الإنتاج ومتنوع، قرأنا الكثير من انتاجه.

الرواية مركبة تتحدث عن نفسها ، أنها رواية ترصد حياة المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.
تبدأ الرواية من العراق، هناك ثلاثة شباب هم الكاتب وصديقيّه أيمن المقدسي وعلاء خليل العراقي. من خلال تعقب هذا الثلاثي، نجد اننا نتابع الشباب العراقي والعربي عموما. ايمن الفلسطيني الذي لجأ أهله للعراق بعد نكبة ١٩٤٨ م والهروب من فلسطين، يولد محملا بالفقر والألم والتساؤل والغربة، احساس عميق بالمنفى. علاء الشاب العراقي الذي يعاني من السلطة الاستبدادية في العراق؛ تستهلك الشعارات الكبيرة والبشر أيضا. الناس ضحايا السجون والحروب والفقر ومتاهة حياتية متوالية. سيحصل جدل بين هؤلاء الشباب مع العمر والتجربة و الهزائم والمآسي الشخصية والجماعية. فبين نكران للذات لدرجة العدمية ورفض النحن القائم والحضاري والالتحاق بالغرب وجدانيا وثقافيا وسياسيا، الى درجة حتى تبرير سلوكه على الأرض في العراق والعالم ليبقى مقبولا . الغرب هذا ليس انوار وعقل وتقدم وتكنولوجيا وحرية فردية و رفاه فقط؛ هو ايضا الاستعمار وسلب فلسطين ورعاية الانظمة الاستبدادية والمصالح؛ لدرجة تغطي على الادعاءات. فبين نار الانتماء للهوية المحتلة من الأنظمة الاستبدادية التي حولت شعبها لعبيد عصريين، وبين غرب يتكلم رائعا ويتصرف أسوأ من الانظمه؛ وقع شبابنا في مأزق فكري وجودي وجداني لعشرات السنين السابقة. لم تكن هذه الجدلية ثابتة، بل متحركة فالغرب يتقدم  و (الديمقراطية) من خلال أمريكا تُحاصر وتحتل العراق (تحرره)، ليتبين أنها تؤسس للاسوأ؛ العصب المتخلفة، طائفية وعشائرية وغيرها، تدفع الجميع الى الاصطفافات القاتلة. سقط الغرب عند الشباب. وسقطت القومية والاشتراكية بيد الاستبداد؛ الذي حول المبادئ الى مجرد غطاء على استغلاله وعصبيته واستعباد الشعب وسوقه للتخلف أو المقصلة. في هذا الجو يحضر إدوارد سعيد وفكره النقدي للغرب الذي يرسم صورتنا بطريقة تبرر تخلفنا ودوره في استثمارنا و استغلالنا، وتبرير ذلك لمشكلة في التكوين عندنا (وليس لمصلحته كغرب رأسمالي). كذلك نقد إدوارد سعيد للاستبداد وانظمة التخلف عندنا التي تحول شعوبها لعبيد في مزارع الحكام.
أيمن المقدسي سيعمل على رواية تكتب عن حياة ادوارد سعيد وهي رواية القدس أيضا؛ بصفتها جغرافيا محملة بالتاريخ والوجدان. سنعود مع ادوارد للقدس ، فهو الفلسطيني المقدسي الذي هاجر مع عائلته لأمريكا. مع خلق كيان (اسرائيل ) وهو مسكون بالقدس. يعود ليرى أن هناك محاولة فاشلة لرسم معالم مدينة يهودية بدل القدس التي يعرفها، وندخل معه لاستعادة تاريخ المدينة التي مر عليها آلاف العابرين، وكل وضع بصمته عليها، هذه التكوينات التاريخية المتراكمة؛ من السبي البابلي وقبله موسى واليهود والفلسطينيين الأصليين لنصل للمسيح ومن ثمّ عمر بن الخطاب وفتحه لها، عابرين الى الصليبيين وصلاح الدين الأيوبي. وأخيرا اليهود مع حملة الاستعمار الحديث؛ هرتزل ووايزمن وبن غوريون والعرب الذين وجدوا أنفسهم هائمين في الأرض هربا بأرواحهم لمن نجى من الموت والمجازر.
القدس متعددة الحضور النفسي لمن يسكنها ويعبرها فهي هوية الكل ومحنته وعاره ايضا. سيعيش ادوارد سعيد الحب والشقاء وذاكرة مشتركة مع الآخرين المشتركين بالوجود. يهود الحاضر سيعيشون نصرهم بكونه هزيمتنا، ونعيش حاضرهم الدولة بكونه اغتصاب فلسطين بلادنا. لا لقاء في منطقة وسط وكل معبأ بالوجدان والتاريخ والمشروعية والسلاح ايضا والقتل دائما. لن يحصل التوافق وكل يعيش أزمته؛ المشروع الفلسطيني مأزوم بأنه لا يملك إلا شرعيته الذاتية بأنه صاحب الأرض والحق وغير ذلك كل شيء ضده. والمشروع الصهيوني كل الكون معه، وهو مدجج بالسلاح، ولكنه يعيش مأزق اللا قبول والتربص. أن الفلسطينيين بملايينهم يمثلون له أزمة وجودية وواقعية؛ دائما يخاف ، نعم توسع (الغيتو) ليصبح وطن، فلا حب ينجح ولا حياة بأفق. لقد صنع اليهودي لنفسه جحيمه الأرضي. يجب أن يتصالح مع نفسه والعالم والفلسطينيين اولا.
إدوارد سعيد يعيش حياته في الغربة وفي القدس باحثا عن ذات صعبة التعيين. يحب ويتوق يصاب باليأس. لكنه يكتشف وجوده برسالته وهي إحياء الحق؛ بأن نعرف من نحن ؟.ومن الآخر ؟.وأين المأزق؟. وكيف الخروج.؟. .لقد تصالح مع ذاته عبر تعرية الذات والآخر. وضع الكل أمام حقيقتهم الذاتية ومسؤولياتهم.
الرواية ممتلئة بالتاريخ الشفهي. والكتابي وحتى الشهادات والأعمال الأدبية. كلهم يحاول التحرر من عقدة (المشروعية).

القدس لمن..؟!!. هذا سؤال الروايه.

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!