كتب.د. تيسير السعيدين. قراءة في ديوان “قد تمطر حروفي”

لآفاق حرة

قراءة في ديوان ” قد تمطر حروفي” للشاعر الدكتور سلطان الخضور

بقلم. د. تيسير حسين السعيدين

صدر للدكتور سلطان الخضور الديوان الذي يحمل ضمن عنوانه المطر، الذي ترتبط دلالته بالخير والعطاء، كما ويرتبط نزوله منذ القدم بالرحمة والفرح والشكر والتطهر، فكانت تقدم القرابين في الأساطير الفرعونية القديمة اتقاء فيضان النيل وطوفانه، وهو كذلك رمز للانبعاث والتجدد والأمل بالمستقبل، وقد صدّر الخضور اسم ديوانه بقد، التي يعد اقترانها بالفعل المضارع بما يؤمل فيه تحقق نزول المطر دون تحقيق، أما اللون الأخضر الذي كتب به فهو يرمز إلى الطبيعة والحياة والأناقة والثروة، ويُعدّ كذلك من مؤشرات دلائل العيش والنضارة والتغيير والتفاؤل، بالإضافة إلى ارتباطه بمعاني الوِفاق والسعادة والنظرة الإيجابية للحياة، فهو لون الأرض، أما في علم النفس فإنه يعدّ من الألوان المهدئة، حيث يبعث في المكان جواً من السكون والطمأنينة، ويعكس للنفس إيحاءاً بالأجواء الطبيعية، كما أنه يدل على النمو والتوازن، ويُستخدم أيضاً كرمزٍ للسلام، بالإضافة إلى أن له القدرة على امتصاص الطاقة السلبية من جسم الإنسان، وقد أهداه إلى حفيده زيد، كون هذا الديوان من بواكير شعره، إذ هو الديوان الثاني له، ومن حسن الطالع أن تهدى الثمرات المبكّرة من الفاكهة إلى طفل، وقد رصّع مجموعة من الحروف العربية على صفحة الغلاف الخارجي الأولى ذات الخلفية البيضاء التي ترمز للنقاء، أما الصفحة الخلفية البيضاء كذلك، فقد حوت إحدى قصائد الديوان التي يعبر فيها عن هيامه بالقدس .
قدّم للديوان الشاعر جروان المعاني، حيث بيّن أن الدكتور سلطان الخضور، بدا في ديوانه مسكونا بالحقيقة التي أضفت على شعره الرومنسية والوجودية، كما بين المعاني أن له سمتا غريبا في العرض بحيث يأخذ القارئ – غالبا – في نهاية قصائده إلى خاتمة لا يكون متوقعا لها، ويتضح ذلك في قصيدة ( في بحر عينيك أعتكف ) والتي خصصها للغزل بحبيبة غالية يرتجف قلبه لها، ويهيم بحبها، ثم لا تكون إلا محبوبة رمزية وهي القدس، التي خصص لها الشاعر مجموعة من قصائده في الديوان .
وقد تضمّن الديوان (34 ) قصيدة موزعة في الحديث عن الصراع الأبدي بين الحقّ والباطل، وما يقتضي ذلك من مقاومة وتجلد ، وبين الرومنسيات التي سيطر عليها الوجد والتبريح والمعاناة، حيث وقف عند صراع القيم: (الفضيلة والرذيلة، والخير والشر، الحب والكره)، ففي حديثه عن الصراع بين الخير والشر، بيّن أن الخير يحاول التمدد بين بني البشر ، ولكن الشر الذي يكيد له ويقف له بالمرصاد، فيثنيه عن ذلك فيقول :
الطريق مقفلة
وخلفي وحش طليق
يده ليست مكبلة ( ص 13 )
ولم يقف تحدي بعض البشر عند هذا الحد، بل إنهم يصلون إلى درجة مخاتلة الأقدار، وفي هذا يقول :
هكذا التاريخ والقدر
على خلاف
فالقدر من صنع الله
والتاريخ من صنع البشر
يستذكر الخضور النكبة في قصيدته ” قد تمطر حروفي ” التي سمّا ديوانه باسمها، مشيرا إلى صمود الإنسان الفلسطيني في أرضه صمودا لا يلين، وانزراعه وتجذّره فيها، وذلك على الرغم مما تعرض له من أذى واعتداء وكيد :
لم أصلب يا سيدي
لم أصلب
نهضت من بين الركام
واقتفيت أثر المجد
فوق التلال
ثمّ يعرّج على الظلم الذي يمارس عليه من قبل المحتل، مبيّنا أنه لا يكفي أن تكون على الحق، بل لا بد أنه محتاج إلى قوة تحميه وتذود وتنافح عنه :
ولا يوقظ الحقَّ إلا الحقُّ
وسيغمض عينيه عن الحق
من كان في عينيه حول
أو يمضغ الدفلى
ويبتلع شوك الربيع على عجل
– في قصيدة (القدس)التي أستطرد فيها الدكتور سلطان، فأشار إلى الأوهام اليهود التلمودية المزعومة في القدس فيقول :
القدس تقيم
على بضعة أمتار
من حكايات عصر
يصارع
بضعة تلال من الأوهام
بدا الشاعر الخضور متأثرا بالقرآن الكريم في كثير من القصائد في ديوانه، فمن هذا التأثّر استدعى صورة الطير الأبابيل القرآنية التي دافع فيها الله عز وجل عن بيته الكريم ( الكعبة المشرّفة ) بحجارة السّجّيل:
القدس ستنزف
دمعا، دما
وتحلق طير الأبابيل
تطوف على
كل ما أبقته العواصف
من مدن ثكلى
وبقايا أزقتها
(ويشير إلى طهر القدس الذي دنّس ، وتغيير ملامحها التي ترفض النسيان ، ولم ينس التلاحم الإسلامي المسيحي، مشيرا إلى شكوى القدس من التخاذل العربي فيقول :
في القدس صراخ
يحاكي أجراس قيامتها
في القدس صراخ
يحاكي حنين مآذنها
في القدس صدى للصوت
ورجع للأذان
يذكر في قصيدة (أستعذب الهمس) قضية الصمود والتصدي ، مستخدما مصطلحات من الموروث الشعبي ( مقحار أمي ، خبز الطابون ، والدواء بالزيت والزيتون، الميجنا، وزريف الطول، ودلعونا ) فيقول مخاطبا محبوبته الرمزية في قصيدة ” أستعذب الهمس” :
تعالي نقلّب معا
بمقحار أمي خبز الطابون
ونداوي الجرح معا
بالزيت والزيتون
ولعل توظيف التراث في الشعر العربي المعاصر ميدان خصب وحيوي، وذلك لأنه يشكل علاقة وطيدة بين المبدع ومتلقيه، فتوظيفه في القصيدة العربية المعاصرة ليس غاية في حد ذاته، ولكنه وسيلة تعبيرية يجنح إليها الشاعر المعاصر، مختارا من هذا التراث ما يناسبه ليعبر من خلاله عن تجربة من تجاربه .
هذه بعض ما تضمنته قصائد الديوان، الذي يغص بالكثير الكثير مما ينبغي الوقوف عنده في قراءات أخرى، مباركا للصديق الشاعر الدكتور سلطان هذا المنجز الرائع ، وإلى الأمام دائما .

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!