اثر الفكر الوسطي في تحقيق التعايش و التنمية في المدن الذكية/ بقلم : الدكتور محمد ازلماط / المغرب

 

بسم الله الرحمان الرحيم ,الحمدلله وحده والصلاة والسلام على اشرف الانبياء.
ما الفائدة من المدن الذكية في المجال العربي الاسلامي؟ حيث أن المدن الذكية تم تصميمها وتخطيط لها في السياق الغربي لكن هذا لا يمنع من الاستفادة من هذه التجارب وتوفيقها مع الرؤيا الاسلامية انطلاقا من الفكر الوسطي حيث يتم ادماج بين منظومة الاخلاق المصطنعة التي كرستها الثورة التكنولوجية ومنظومة القيم الاصيلة التي قطبها التربية على المواطنة وحقوق الانسان المستنبطة من الفكر الوسطي الذي يؤسس رؤيته على تقويم الاراء والافكار والمواقف والسلوكات ليتنامى الوعي الانساني باهمية القيم ودورها في تنفيذ السياسة المدينة عبر رؤيا تحمل خصوصيات محلية،فكيف يمكن للفكر الوسطي ان يكون له اثرا في المدن الذكية لتحقيق التعايش والتنمية؟
‘ن اثر الفكر الوسطي في تحقيق التعايش والاسهام في التنمية داخل المدن الذكية،له ادوار هامة في تاريخ الانسانية في كل الميادين ، لانه يتاسس على فكرة شرعية عقائدية،حيث ان ولوجه لايقف عند محاكاة الالفاظ وتبديلها، وانما هي حالة فكرية وسلوكية كانت وراءها منظومة اسلامية، التي على ضوءها قامت الحضارة الانسانية ،التي تشكلت على منهج الوسطية انطلاقا من قول الله تعالى.؛”وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” ,حيث أن هذه الأمة واكبت التقدم والتنافس ابتكارا وابداعا في مختلف مجالات الحياة.
وان الفكر الوسطي كان معروفا وحاضرا عند العلماء المسلمين والعرب،إلا انه كان مصنفا تحت عناوين مختلفة،اذ ان المركب الاسمي الفكر الوسطي، كان نادرا او منعدم الاستعمال,الى ان شاع في الكتابات المعاصرة.
وتشير كلمة الوسط على انها هي النواة المنهجية الفكرية , تهدف الى احداث التوازن بين الغلو والانحلال, ورفع الحرج, “وكذلك ما جعل عليكم في الدين من حرج”.وتعزيز التنوع والاختلاف بين الناس في اطار شعوب وقبائل وامم واجناس،لاعتبارهما حق من حقوق الانسان,حيث تتمظهر مقاصده في باب الحرية والاجتهاد, وتشجيع التعايش والتفاهم بين الناس وتعزيز التسامح .لان الوسطية في الفكر الوسطي تدل على العدل ومحاسن الاخلاق ومكارمها,والتوسط بين الافراط والتفريط, ووصف الامة الاسلامية بكونها وسطية,وعلى الفكر الوسطي وإستراتيجيته تم هديها الى الصراط المستقيم,ونهج الاعتدال,ورفض سيطرة اي فكر على اخر,او محاولة اقصاء فكر او اخراجه عن ملته وايديولوجيته.
ويتميز الفكر الوسطي بخصوصيته في العقيدة وفي الحضارة لاعتباره نسق معرفي له الياته واسلوبه ومنهجه ورؤيا تقوم على الاستراتيجيات والاهداف والعمليات الفكرية,وانه احدث علاقة التاثير والتفاعل مع التعايش,لان هذه العلاقة هي عقائدية وايمانية مثل علاقة الروح بالجسد,لايمكن فصمهما ,ولن تتحقق التنمية الا بحضور الفكر الوسطي المتسم بالسماحة والصبر ومراعاة طبائع الناس, وقيام العدل والاعتماد على المنهج والعقل السليم والعلم الراسخ والابتعاد عن الجهل والاهواء.
وان هذه السمات للفكر الوسطي ممهدة للعيش في المدن الذكية القائم على السلم,والابتعاد عن الغلو والتطرف والعنف,وتطبيق حقوق الانسان المرتبطة بالمجال المدني والسياسي والاقتصادي, والاستناد الى الحكامة الجيدة والديمقراطية والحرية,لاحداث علاقة تفاعلية في بيئة ومجتمع,تعتمد على التشارك بين الافراد والجماعات والاجناس المختلفة مع احترام كل حامل فكر مغاير.
وان علاقة الفكر الوسطي بالتعايش داخل المدن الذكية تتاسس على ثلاث مستويات متمثلة في المرجعية او المناهج والتصورات اوالاستراتيجيات والمواقف او السلوكات,التي تنبثق منها المبادئ والقيم والاليات التنفيذية,ومنها يمكن افراز الديمقراطية والايديولوجية والعدالة الاجتماعية كل هذا من اجل تحقيق التنمية.
والتعايش الذي يتشكل من فكر وسطي داخل المدن الذكية، يعتمد على منهج مركب الذي يتوخى اقامة علاقة بين تنوع وتعدد عناصر فكرية وسياسية وثقافية داخل المجتمع,مرجعيته تستند الى منظومة اسلامية (نموذج دبي وابو ظبي ورام الله)،مختلفة على منظومات مجتمعات المعتمدة على العلمانية والقومية, حيث يتسم الفكر الوسطي بهوية تكاملية اساسها الاختلاف والانفاق باعتدال ,والتعددية ونهج الحكامة الجيدة واسترفاد من اليات الديمقراطية لاحداث التعايش مع الفكر الغربي الديمقراطي,وجعلها موافقة ومنسجمة مع اليات الدين الاسلامي,سيما خطاب الشورى,والخروج باجتهادات مبنية على الحوار,والارتكاز على الاعتدال في كل امور الدين والدنيا.لاحداث التوازن بي الثوابت والمتغيرات من اجل الابتعاد عن الانحرافات التى ترتبت عن الجهل بالمنظومة الاسلامية( القران والسنة) وتفاسيرها وتاويلاتها واجتهادات العلماء والباحثين.
فالفكر الوسطي حين يتوخى التعايش في المدن الذكية, فهو ايضا يساهم في التنمية القائمة على الربط بين الرقابة العقائدية والاستخلاف ,لاحداث التوازن بين المادي والروحي,والارتكاز على الانسان المحور النواتي في التنمية,وجلب المصالح ودرء المفاسد.وتتسم بالقصد والهدف والوظيفة والحجم والجمال والقدرة التعليمية والتكوينية والتدريبية والامتداد الزمكاني, حيث تهد هذه البسمات الى السبق واعطاء الاولوية للضروريات والصيرورة والنماء.
ففي هذا المضمار ،هناك غرضان من الفكر الوسطي,اولاهما السعي الى توضيح اثره على التعايش لتعزيز الكرامة الانسانية داخل المدن الذكية، وحدة العنصر البشري ، تامين الحماية والامن ، الاحسان وحسن التعامل مع الخالق والخلق كافة جسر التعايش ، التوازن والعدالة ، الاعتراف بالاختلاف الاديان والاوان والالسن سبل التواصل والحوار
– الفكر الوسطي مؤسس للتعايش الثقافي والفكري انطلاقا من حالة المعرفة والتصوف وتجسير التعايش بين العلمانية والدين

– والغاية الثانية من الفكر الوسطي في المدن الذكية يكمن في ابراز اسهام الفكر الوسطي في التنمية انطلاقا من رسم استراتيجياته في وضع خريطة للتنمية انطلاقا من الخصائص والمقاييس والغايات والمجالات وعلاقة التنمية بالاستخلاف والتسخير وعمارة الارض و بالفروض الكفاية.
– وان نجاح الفكر الوسطي في وضع استراتيجية منهجية تتوسط تيارين متناقضين هما الهيمنة والارهاب مهدت الى احداث التعايش لتحقيق تنمية الانسان وتعزيز مكانته وتكريمه, وفسح المجال للعقل ان يجتهد ويجدد في اطار عمارة الارض والاستخلاف والايمان بالله للارتقاء بإنسانيته فكرا وروحا وإيمانا وإدراك مابه من مواهب ومبادرات.
– فادبيات الفكر الوسطي في علاقتها مع التنمية داخل المدن الذكية تنطلق من القاعدة الكامنة في الانسان واللامركزية المتناسقة مع المركزية التي انبثقت منها اللاتركيز والكل سواسية امام نظام الشورى او ما يسمى بالديموقراطية .فأدبيات الفكر الوسطي مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية لكونهما يتسمان بالشمول وبالمقاصد التي هي مقصودة من نصهما والاستفادة من مقام خطابهما او من احكامهما ذات أبعاد اخلاقية وقيمية التي تهدف الى التسخير والاستخلاف لاعتبارهما نواتين للتنمية التي يصبح فيها الفرد انسانا كريما كاملا لكونه مستقلا في ذاته ومتعالقا مع الكل في اطار التواصل والتعارف واحداث الحوار الوجودي الكلي لتجسيد الوعي الثقافي الجماعي والصورة الواعية للفكر الوسطي هو الابتعاد على التسلط والهيمنة والعنف والحفاظ على مقاصد ضرورية للقيام بالمصالح وهي حفظ الدين وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ النفس وحفظ العقل والارتكاز على المقاصد الحاجية الكامنة في الرخص لكون الدين يسر وليس عسر والاخذ من محاسن العادات.
– ان الفكر الوسطي يطمح الى جعل الانسان متحررا وكاملا واطلاق عنان الابداع والتاهيل دالخل مجتمع قابل للحياة وخال من الاخطار والسلوكات البشعة والاخلاق الذميمة داخل المدن الذكية التي يتوقع ساكنيها الشفافية والانفتاح على الديموقراطية وتوفير الخدمات والمشاركة في صنع القرار. وبناء مرجعية فنية وعلمية في مجال تقنية المعلومات والتحول الالكتروني والذكي للمدن العربية الاسلامية انطلاقا من خصوصياتها الثقافية والدينية

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!