العجب العجاب (١)/ بقلم:يوسف بولجراف

في القرن الرابع بعد الطوفان ، ظهر البطش على البسيطة من جديد ، هذا الطاغوت لم يكن إلا أحد أبناء عاد و إسمه شداد ، كان رعبا  في شكل عملاق يحكم الحياة ، لم يترك طيرا يطير و لا دابة تسري و لا إنسانا ينعم بالسكينة و الخيرإلا و لحق به الأذى و العذاب  ، ساعده في بطشه جيش من الشياطين و الجن ، و كانوا كلهم طاعة  مسخرين لخدمته ليل نهار ، نجح في كل غزواته و توسع نفوذه و داع صيته في كل مكان ، حتى أن بعض  الشعوب و القبائل إنضمت إليه فقط خوفا من الإبادة ، و بعد أن يدخل أي مكان يقتل الأعيان يسبي النساء  و يسأل عن الكنوز من الذهب و الجواهر و  الأموال  و كل ما يزين به قصره  يؤثته  و  يزيده سحرا و  جمالا ،قصره هذا ستأتي  عليه الحكاية حين سيسردها أحد النسور على سيدنا سليمان  حين وصل إليه

و سمي بالقصر المدفون ؛ عرف عن  شداد  أيضا أنه  زير نساء ، حيثما  سمع ب الأنوثه يسعى إليها جاهدا  يأخذها بالحديد و النار أو بالحيلة و المكيدة إذا استعصى عليه ذلك مستعينا بجنه العاشق كما فعل مع الأميرة بينيا زوجة الرئيس بيريز  حاكم قبائل الشمال ؛ إذ أن شداد  لم تكن تفصله عن قصبة الملك  عاقل بن عاق إلا مسافة يومين ، و كان  قد  سمع أن لديه سبع بنات الواحدة منهن تنسي في  جمال الأخرى ،  كل واحدة  منهن تأخذ من سحر وقت من أوقات الشمس و سميت ب أسمائها  كانت أصغرهن أجملهن شمس العشي  ، اندفاع شداد بن عاد  وراء غريزته جعله يتحدى مخاطر هذه المعركة مع جيش عاقل بن عاق  الذي لم يكن جله مكونا  إلا من الجن المؤمنين ، و بناته السبعة محفوظات في مكان في  القلعة لا يمكن لجن أزرق وصوله ناهيك على أن لهن أخوال من الجن أمددوا لهن ثيابا بأجنحة  يطرن بهن حيث يشأن  و خواتم حكمة و شأن ،  كل هذا لم يكن ليمنعه الإنصراف عن فكرة مهاجمة عاقل ، لكونه كان كله ثقة في قوته و بأس جيشه ، و عظمته و أقل جنوده ب طول شجرة صنوبر معمرة ، و يأكل غزال في قضمة ، لكنه ارتأى في آخر المطاف و أرجأ فكرة الغزوة هذه لاحقا حين جاءه رسوله بخبر يقين ، أعلمه   أن    شعوب الشمال إختارت من يحكمها و هو  رجل ذو خبرة في الحرب و دراية ب النجوم و له  أتباع من السحرة و المشعوذين ، أقلهم حيلة يطمس مسارا  و أشدهم بأسا  يحرك اعصارا  ، كما أهدته   أجمل الجميلات   الأميرة بينية و التي هام بحبها و أصبح يوما عن يوم يزداد  شبابا كأنها تجسد  فيه الحياة ، اشتد غضب شداد لهذا الخبر ، كيف لا يغضب و هو الذي يجب أن يملك هذه    الرقة و البياض بين  أحضانه وتلك   النعومة التي يشتهي  حين يلمسها  تبدو له  البصمات ، نعم  هذا هو السر في معظم الحروب القديمة   و ما العمل ؟ أشار عليه أحد سحرته مكلف ب البلورة السحرية أن يرسل جنه العاشق لها و يفعم مشاعرها و  يسخر اخر في تغيير رؤيتها لأحد عبيدها فتراه كأنه زوجها بيريز و ب الفعل هذا ما قام به ..و  بعد أن خرج لملاقاته في المعركة ، جاءها الجن تم العبد في صورة زوجها و صور مشهد الخيانة و  أرسل إلى الرئيس بيريز في البلورة السحرية ، راعه ما شاهد ، و أمر في الحين برجوعه قلعته ، و أمر بقتل العبد لكنه كان قد هرب إلى وجهة غير معلومة  كأن الأرض ابتلعته ، و قد  ساعدته في ذلك إحدى الجنيات رمته في بلاد بعيدة بين عبيد إبنة أحد الملوك ، في مملكة الغرب و  بعد أن طلب من الأميرة  الأمان  قص عليها قصته ، أخفته عن الأنظار و جعلته في خدمتها الخاصة ،  أما الأميرة بينية فكان مصيرها ليس أفضل حالا من مصير عبده ، لم يستطع زوجها قتلها ،  لكنه سجنها  في بهو القصر، و جعلها  أقل مرتبة من حيواناته الأليفة لكن قلبه كان لا يزال متعلقا بها …  إشتد وطيس الحرب في صراع الجبابرة بين جيش شداد بن عاد من جهة و جيش تحالف الشمال بقيادة عاقل بن عاق و الرئيس بيريز ، و لو كانت تبدو الغلبة لشداد على البر  بفضل مشاته العمالقة ، كانت تهتز الأرض بخطواتهم يدكون  كل من في طريقهم ، كانت السماء حكرا لتحالف الشمال بفضل تحكم سحرة بيريز في مواقع النجوم و تغيير الطبيعة ، حتى  أن في أكثر من معركة سحق جنود شداد بالصواعق ، عدم إنتصار شداد يرجع أساسا في همجيته و وحشيته  و عدم درايته إستراتيجية تسيير الحرب ، غروره و استخفافه الخصم و توزيع تفكيره بين بناء قصره  و فتح حرب على جبهتين فقط بنصف عدد جنوده ، إذ ترك النخبة منه في أشغال صرحه العظيم ؛ بدت الأرض مقسمة قسمين جهة قاتمة حالكة مقفهرة صواعق و غبار  هي منطقة الحرب و الحكام التلاتة و جهة مشعة  تنعم بالهدوء و الطمأنينة  حيث توجد مملكتين  تعيشان بسلام ، كانت هناك حدود عجيبة تبعدهم عن الأشرار ،حدود سريالية فيها  حواجز مانعة فوق طبيعية سوف تظهر لنا بعضها عند خروج ولي عهد إحدى المملكتين في البحث عن النصف الثاني للحقيقة و قد وصل سن النضج ، و المملكة الأخرى هي تلك التي احتمى بها عبد بينيا   زوجة الرئيس بيريز ،  قد أصبح في خدمة مآرب الأميرة خفية ، و قد أصبحت شابة بهية في سن الزواج اشترطت على أبيها الملك أن من يريد أن يتقدم إليها يجب أن يفك لغزها  و هو ليس إلا قصة بينية زوجة بريز لأنها وحدها تعرفها و العبد الذي تخفيه عن الكل حتى أبيها ، و في الشرط أيضا من لا يجيب يسجن ..هكذا إنتشر الخبر على العامة و جاء الخطاب من كل أرجاء المملكة و الكل كان مصيره السجن ، لأن لا أحد عرف القصة ؛ في المملكة الأخرى واضب الملك على تلقين إبنه أسس العلم و المعرفة و الأخلاق و مبادئ السياسة ليكون خير خلف له ، شدد في تنشئته الإجتماعية و كان صارما معه ، غرس فيه إحساس الحرمان كفلسفة للصبر و الشعور بالآخر ، أول درس  مده  إياه بنفسه عندما طلب منه أن يقفز من علو  درجين و نهاه عن الخوف و يثق فيه لأنه سيمسكه ،قفز الطفل و لم يمسكه أبوه ،حين بدء يبكي قال له سوف تذكر هذا عنما تتولى الحكم ، بعدها لازم الطفل تعلمه بنظام أكل خاص و دائم خبز دون لبابة  و لحمة مشوية دون عظم ،دأب على هذا النظام حتى إكتمل تعليمه ، و في يوم تأتيه رئيسة الطهاة في البلاط على غير العادة لحم يتوسطه عظم و خبز كامل بلبابه ، تعجب و أكل و إستلذ ؛ تساءل كيف حرم هذا المذاق ! اللحم لذيذ لكن بالعظم ألذ و الخبز دون لباب غير مكتمل ! إنتفظ و رمى بالعظم إتجاه النافذة تكسر زجاجها و سمع  هرج

الناس خارجا ، و خرج إلى الباحة  وجد أباه الملك قبل أن يساله  ، قال له الملك تريد أن تعرف لماذا ؟ إذن حان الوقت لخروجك للمجتمع و تعرف الناس و تحتك بالتجارب ، ما تعلمته إلى الأن ، لحم دون عظم و قشرة خبز ! الناس هم الباقي و احتك و إفهم و تفهم الرعية و تعلم ! و الكرسي ذاك ينتظرك ،إشارة للملك . خرج الأمير   اليافع  يسعى المعرفة  و يكتشف حتى وصل مدينة تابعة للمملكة الأخرى ،و حديث الناس لا يدور إلا حول شرط زواج الأميرة و قصة بينية  هو موضوع الساعة ! عرف الشاب أن الجواب يجب البحث عنه في مكانه ! فخرج من المدينة قاصدا الطريق و يسأل القادم منه ، إبتعد حتى أقترب مغيب الشمس رأى فتاة في يدها ناي وفي يد أخرى سوط تسوق غنمها ، إقترب نحوها  ليسألها مكانا يبيت  فيه بعيدا عن الوحوش  ،لم يكمل جملة  سلامه  حتى كان سوطها عليه  فتحول إلى خروف وديع ! ضحكت الفتاة الجنية : جئت بنفسك إلي يا حنيني ، و دفعته إلى القطيع و لا زالت تضحك :إقبلوا هذا الضيف اللطيف معكم ، حملي الوديع ! دخل القطيع متزاحما  هادئا  إلى الزريبة ، وحده الأمير الذي كان يمعمع ! و كأنه يريد أن يعبر على رفضه هذه الوضعية ! أقترب إليه كبش كبير ! بعبع قليلا كأنه يقول له : هكذا كلنا في البداية ستألف المكان و تستأنس مع الوقت  ثم سأله بصوت خافت مبحوح ! : من أي بلد أنت ؟ . تعجب الأمير ؛ أراد  أن يتكلم تلعتم ثم معمع و بعبع ، فسأل الكبش:

– ماذا جرى لي ؟

أجابه الكبش  :

إننا كلنا في  حضرة الجنية التي تحب الخرفان ! على الأقل هنا تضمن نومة هادئة بعيدا عن الضواري ، الحياة عناء صديقي و  قد وجدت راحتي هنا ، حين تجد من يهتم لك ، يطعمك و يشربك و يرعاك و يطربك ، فهي تعزف لنا بنايها السحري حتى ننام ، فلماذا تعقيد الحياة بالفلسفة الفارغة ! من أنا و من أكون و سبب الوجود ! الحياة عناء صديقي و هنا لا ! بعيدا عن فائضي الحاجة  سبب شقاء الناس ! فائض الحاجة عدو نفسه قبل أن يكون عدو البشرية

_ الخروف : بع ،مع ،إن لم تكن كبشا  أقول زرادتش

– الكبش بضحكة : أصبت هكذا تحدث زرادتش بع ، لم تقل لي من  أنت !؟

عرفه  الخروف بنفسه : تفاجئ الكبش زرادتش و كأنه يتأسف  و قرر أن يساعده في الهروب من قبضة الجنية يريد رد الجميل لأن أباه الملك كان قد  فكه من قبضة بعض الغوغائيين ، اعتبروا زرادتش فيه مس مجذوب و ربطوه شجرة و بدأوا يعذبونه  ، ف تصادف طريق الملك و أمر ب طردهم خارجا و يرد الإعتبار لزرادتش و يقول : في مملكتي لا تهان الفلسفة و يحترم العلم و الأساتذة و الحكماء و يبتسم له و حتى المجانين و المجاذيب الباحثين عن الحقيقة …الآن حان دوري لأخرجك من هذه الورطة ،فكر قليلا  و قال للأمير : سأعطيك صمامات أضعهم دائما حين تعزف لنا الجنية كل ليلة مقطوعاتها السحرية بالناي ينام كل القطيع إلا أنا ، أخرج كما أريد و أعود حتى الفجردون  أن تشعر بي ، فهي حين تعزف تترك الباب مشرعا ، لا تعرف أن لدي صمامات ! و غدا ضعهم بدلا مني ، و سأعلمك  غدا عند خروجنا المرعى أين أتركهم لك ضعهم في أذنيك لكن لا تنسى عند هروبك مساءا أتركهم لي في نفس المكان !

_ اتفقنا صديقي  !

– اتفقا ! شكرا لك ! و أنت لماذا  عندك هذه الفرصة و لم تهرب !؟

_ إجتر ! إجتر ، أو نم ، نم دعني أجتر ،أنت لم تأكل العشب بعد !

هكذا نجحت الخطة و هرب الخروف ليلا !

بدء يسير و الخوف يسيطر عليه مع كل صوت ذئب يعوي بعيدا ، يقول في نفسه كنت أود أن أسألها عن الضواري و أنا إنسان فمابالي الآن و أنا خروف ،يا الدنيا !

لكن حظه وقف تلك الليلة و لم يصادف أي وحش ! حتى الفجر وصل مكانا يشبه من أين هرب  لكنه خالي من المواشي و فتاة تشبه الجنية و لها  سوط ، ركبه الخوف من جديد ! لكن الفتاة ما أن رأته إبتسمت و طمأنته :_  لاشك هربت من العدوة ،

ضربته بالسوط  و عاد إلى صفته الأصلية .

_ إنك شاب وسيم ، تلك أختي هي تحول و أنا أعيد التحويل  و تضحك ،إلى أين القصد؟

– أود معرفة مكان بينية !

_ إنها مسافة بعيدة كتيرا لا يمكن الوصول إلى هناك وحدك ! إسمع سأدلك على مكان عمتي ، إذهب إلى تلك الضيعة و إنتظر حتى الصباح سوف تخرج بقرة قبل أن تراك إطل جسدك بروتها الجديد ، و أقترب منها و أطلب منها ما تشاء ؛

و بالفعل ، ما أن طلب منها نقله إلى بلاد بينيا حتى تحولت جنية طائرة و في رمشة عين كان أمام الرئيس بيريز !  و على مائدة الأكل ، و عرف نفسه له و طلب الأمان ، رحب به الرئيس و يسأله عن أحوال بلاده و عن الملك أبوه ! بعدما فرغ من الأكل ، نادى كلبه  أكل ، وبعدها نادى بدخول السجان و امرأة متسخة مكبلة بالسلاسل فرمى لها بأكل ما تبقى من الكلب !  سأله  الأمير الشاب من  تكون ! و ما حجم خطيئتها ؟ قص الرئيس حكايته  ! لكن الشاب كان شيء بداخله جعله يريد أن يسمع أيضا منها  ، قال له الرئيس و هو يخرج   إنها فقدت الكلام  و طلب منه الإنصراف ، ثم أضاف إن عدت و وجدتك معها سيكون مصيرك معها !

و كأن الشاب يختزل الوقت معها و يربح المهلة التي أعطاه الرئيس ،سألها بسرعة و دون ملاطفة ! – رجل ك هذا قد يستحق الخيانة ، لكن وجهك الملائكي لا يقول ذلك، ضروري هناك سبب لخيانته  !؟

– تغيرت ملامح وجهها العذبة إلى تقاسيم تعبيرية أخرى فهم منها أنه يجب أن يبحث أكثر ، و هو يعزم الخروج سمعها تقول بصوت يكاد يسمع : مع من ؟ لم يكن إلا هو !

بقيت جملتها تردد في عقله و هو يعود مع الجنية !

ثم فجأة  سألها :أيمكن أن يتهيأ لها !

أجابته : كما تهيأت لك !

و كان فعلا هذا هو الجواب الذي يريد أن يسمعه و عرف أنها بريئة ضحية مؤامرة خسيسة

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!