في القرن الرابع بعد الطوفان ، ظهر البطش على البسيطة من جديد ، هذا الطاغوت لم يكن إلا أحد أبناء عاد و إسمه شداد ، كان رعبا في شكل عملاق يحكم الحياة ، لم يترك طيرا يطير و لا دابة تسري و لا إنسانا ينعم بالسكينة و الخيرإلا و لحق به الأذى و العذاب ، ساعده في بطشه جيش من الشياطين و الجن ، و كانوا كلهم طاعة مسخرين لخدمته ليل نهار ، نجح في كل غزواته و توسع نفوذه و داع صيته في كل مكان ، حتى أن بعض الشعوب و القبائل إنضمت إليه فقط خوفا من الإبادة ، و بعد أن يدخل أي مكان يقتل الأعيان يسبي النساء و يسأل عن الكنوز من الذهب و الجواهر و الأموال و كل ما يزين به قصره يؤثته و يزيده سحرا و جمالا ،قصره هذا ستأتي عليه الحكاية حين سيسردها أحد النسور على سيدنا سليمان حين وصل إليه
و سمي بالقصر المدفون ؛ عرف عن شداد أيضا أنه زير نساء ، حيثما سمع ب الأنوثه يسعى إليها جاهدا يأخذها بالحديد و النار أو بالحيلة و المكيدة إذا استعصى عليه ذلك مستعينا بجنه العاشق كما فعل مع الأميرة بينيا زوجة الرئيس بيريز حاكم قبائل الشمال ؛ إذ أن شداد لم تكن تفصله عن قصبة الملك عاقل بن عاق إلا مسافة يومين ، و كان قد سمع أن لديه سبع بنات الواحدة منهن تنسي في جمال الأخرى ، كل واحدة منهن تأخذ من سحر وقت من أوقات الشمس و سميت ب أسمائها كانت أصغرهن أجملهن شمس العشي ، اندفاع شداد بن عاد وراء غريزته جعله يتحدى مخاطر هذه المعركة مع جيش عاقل بن عاق الذي لم يكن جله مكونا إلا من الجن المؤمنين ، و بناته السبعة محفوظات في مكان في القلعة لا يمكن لجن أزرق وصوله ناهيك على أن لهن أخوال من الجن أمددوا لهن ثيابا بأجنحة يطرن بهن حيث يشأن و خواتم حكمة و شأن ، كل هذا لم يكن ليمنعه الإنصراف عن فكرة مهاجمة عاقل ، لكونه كان كله ثقة في قوته و بأس جيشه ، و عظمته و أقل جنوده ب طول شجرة صنوبر معمرة ، و يأكل غزال في قضمة ، لكنه ارتأى في آخر المطاف و أرجأ فكرة الغزوة هذه لاحقا حين جاءه رسوله بخبر يقين ، أعلمه أن شعوب الشمال إختارت من يحكمها و هو رجل ذو خبرة في الحرب و دراية ب النجوم و له أتباع من السحرة و المشعوذين ، أقلهم حيلة يطمس مسارا و أشدهم بأسا يحرك اعصارا ، كما أهدته أجمل الجميلات الأميرة بينية و التي هام بحبها و أصبح يوما عن يوم يزداد شبابا كأنها تجسد فيه الحياة ، اشتد غضب شداد لهذا الخبر ، كيف لا يغضب و هو الذي يجب أن يملك هذه الرقة و البياض بين أحضانه وتلك النعومة التي يشتهي حين يلمسها تبدو له البصمات ، نعم هذا هو السر في معظم الحروب القديمة و ما العمل ؟ أشار عليه أحد سحرته مكلف ب البلورة السحرية أن يرسل جنه العاشق لها و يفعم مشاعرها و يسخر اخر في تغيير رؤيتها لأحد عبيدها فتراه كأنه زوجها بيريز و ب الفعل هذا ما قام به ..و بعد أن خرج لملاقاته في المعركة ، جاءها الجن تم العبد في صورة زوجها و صور مشهد الخيانة و أرسل إلى الرئيس بيريز في البلورة السحرية ، راعه ما شاهد ، و أمر في الحين برجوعه قلعته ، و أمر بقتل العبد لكنه كان قد هرب إلى وجهة غير معلومة كأن الأرض ابتلعته ، و قد ساعدته في ذلك إحدى الجنيات رمته في بلاد بعيدة بين عبيد إبنة أحد الملوك ، في مملكة الغرب و بعد أن طلب من الأميرة الأمان قص عليها قصته ، أخفته عن الأنظار و جعلته في خدمتها الخاصة ، أما الأميرة بينية فكان مصيرها ليس أفضل حالا من مصير عبده ، لم يستطع زوجها قتلها ، لكنه سجنها في بهو القصر، و جعلها أقل مرتبة من حيواناته الأليفة لكن قلبه كان لا يزال متعلقا بها … إشتد وطيس الحرب في صراع الجبابرة بين جيش شداد بن عاد من جهة و جيش تحالف الشمال بقيادة عاقل بن عاق و الرئيس بيريز ، و لو كانت تبدو الغلبة لشداد على البر بفضل مشاته العمالقة ، كانت تهتز الأرض بخطواتهم يدكون كل من في طريقهم ، كانت السماء حكرا لتحالف الشمال بفضل تحكم سحرة بيريز في مواقع النجوم و تغيير الطبيعة ، حتى أن في أكثر من معركة سحق جنود شداد بالصواعق ، عدم إنتصار شداد يرجع أساسا في همجيته و وحشيته و عدم درايته إستراتيجية تسيير الحرب ، غروره و استخفافه الخصم و توزيع تفكيره بين بناء قصره و فتح حرب على جبهتين فقط بنصف عدد جنوده ، إذ ترك النخبة منه في أشغال صرحه العظيم ؛ بدت الأرض مقسمة قسمين جهة قاتمة حالكة مقفهرة صواعق و غبار هي منطقة الحرب و الحكام التلاتة و جهة مشعة تنعم بالهدوء و الطمأنينة حيث توجد مملكتين تعيشان بسلام ، كانت هناك حدود عجيبة تبعدهم عن الأشرار ،حدود سريالية فيها حواجز مانعة فوق طبيعية سوف تظهر لنا بعضها عند خروج ولي عهد إحدى المملكتين في البحث عن النصف الثاني للحقيقة و قد وصل سن النضج ، و المملكة الأخرى هي تلك التي احتمى بها عبد بينيا زوجة الرئيس بيريز ، قد أصبح في خدمة مآرب الأميرة خفية ، و قد أصبحت شابة بهية في سن الزواج اشترطت على أبيها الملك أن من يريد أن يتقدم إليها يجب أن يفك لغزها و هو ليس إلا قصة بينية زوجة بريز لأنها وحدها تعرفها و العبد الذي تخفيه عن الكل حتى أبيها ، و في الشرط أيضا من لا يجيب يسجن ..هكذا إنتشر الخبر على العامة و جاء الخطاب من كل أرجاء المملكة و الكل كان مصيره السجن ، لأن لا أحد عرف القصة ؛ في المملكة الأخرى واضب الملك على تلقين إبنه أسس العلم و المعرفة و الأخلاق و مبادئ السياسة ليكون خير خلف له ، شدد في تنشئته الإجتماعية و كان صارما معه ، غرس فيه إحساس الحرمان كفلسفة للصبر و الشعور بالآخر ، أول درس مده إياه بنفسه عندما طلب منه أن يقفز من علو درجين و نهاه عن الخوف و يثق فيه لأنه سيمسكه ،قفز الطفل و لم يمسكه أبوه ،حين بدء يبكي قال له سوف تذكر هذا عنما تتولى الحكم ، بعدها لازم الطفل تعلمه بنظام أكل خاص و دائم خبز دون لبابة و لحمة مشوية دون عظم ،دأب على هذا النظام حتى إكتمل تعليمه ، و في يوم تأتيه رئيسة الطهاة في البلاط على غير العادة لحم يتوسطه عظم و خبز كامل بلبابه ، تعجب و أكل و إستلذ ؛ تساءل كيف حرم هذا المذاق ! اللحم لذيذ لكن بالعظم ألذ و الخبز دون لباب غير مكتمل ! إنتفظ و رمى بالعظم إتجاه النافذة تكسر زجاجها و سمع هرج
الناس خارجا ، و خرج إلى الباحة وجد أباه الملك قبل أن يساله ، قال له الملك تريد أن تعرف لماذا ؟ إذن حان الوقت لخروجك للمجتمع و تعرف الناس و تحتك بالتجارب ، ما تعلمته إلى الأن ، لحم دون عظم و قشرة خبز ! الناس هم الباقي و احتك و إفهم و تفهم الرعية و تعلم ! و الكرسي ذاك ينتظرك ،إشارة للملك . خرج الأمير اليافع يسعى المعرفة و يكتشف حتى وصل مدينة تابعة للمملكة الأخرى ،و حديث الناس لا يدور إلا حول شرط زواج الأميرة و قصة بينية هو موضوع الساعة ! عرف الشاب أن الجواب يجب البحث عنه في مكانه ! فخرج من المدينة قاصدا الطريق و يسأل القادم منه ، إبتعد حتى أقترب مغيب الشمس رأى فتاة في يدها ناي وفي يد أخرى سوط تسوق غنمها ، إقترب نحوها ليسألها مكانا يبيت فيه بعيدا عن الوحوش ،لم يكمل جملة سلامه حتى كان سوطها عليه فتحول إلى خروف وديع ! ضحكت الفتاة الجنية : جئت بنفسك إلي يا حنيني ، و دفعته إلى القطيع و لا زالت تضحك :إقبلوا هذا الضيف اللطيف معكم ، حملي الوديع ! دخل القطيع متزاحما هادئا إلى الزريبة ، وحده الأمير الذي كان يمعمع ! و كأنه يريد أن يعبر على رفضه هذه الوضعية ! أقترب إليه كبش كبير ! بعبع قليلا كأنه يقول له : هكذا كلنا في البداية ستألف المكان و تستأنس مع الوقت ثم سأله بصوت خافت مبحوح ! : من أي بلد أنت ؟ . تعجب الأمير ؛ أراد أن يتكلم تلعتم ثم معمع و بعبع ، فسأل الكبش:
– ماذا جرى لي ؟
أجابه الكبش :
إننا كلنا في حضرة الجنية التي تحب الخرفان ! على الأقل هنا تضمن نومة هادئة بعيدا عن الضواري ، الحياة عناء صديقي و قد وجدت راحتي هنا ، حين تجد من يهتم لك ، يطعمك و يشربك و يرعاك و يطربك ، فهي تعزف لنا بنايها السحري حتى ننام ، فلماذا تعقيد الحياة بالفلسفة الفارغة ! من أنا و من أكون و سبب الوجود ! الحياة عناء صديقي و هنا لا ! بعيدا عن فائضي الحاجة سبب شقاء الناس ! فائض الحاجة عدو نفسه قبل أن يكون عدو البشرية
_ الخروف : بع ،مع ،إن لم تكن كبشا أقول زرادتش
– الكبش بضحكة : أصبت هكذا تحدث زرادتش بع ، لم تقل لي من أنت !؟
عرفه الخروف بنفسه : تفاجئ الكبش زرادتش و كأنه يتأسف و قرر أن يساعده في الهروب من قبضة الجنية يريد رد الجميل لأن أباه الملك كان قد فكه من قبضة بعض الغوغائيين ، اعتبروا زرادتش فيه مس مجذوب و ربطوه شجرة و بدأوا يعذبونه ، ف تصادف طريق الملك و أمر ب طردهم خارجا و يرد الإعتبار لزرادتش و يقول : في مملكتي لا تهان الفلسفة و يحترم العلم و الأساتذة و الحكماء و يبتسم له و حتى المجانين و المجاذيب الباحثين عن الحقيقة …الآن حان دوري لأخرجك من هذه الورطة ،فكر قليلا و قال للأمير : سأعطيك صمامات أضعهم دائما حين تعزف لنا الجنية كل ليلة مقطوعاتها السحرية بالناي ينام كل القطيع إلا أنا ، أخرج كما أريد و أعود حتى الفجردون أن تشعر بي ، فهي حين تعزف تترك الباب مشرعا ، لا تعرف أن لدي صمامات ! و غدا ضعهم بدلا مني ، و سأعلمك غدا عند خروجنا المرعى أين أتركهم لك ضعهم في أذنيك لكن لا تنسى عند هروبك مساءا أتركهم لي في نفس المكان !
_ اتفقنا صديقي !
– اتفقا ! شكرا لك ! و أنت لماذا عندك هذه الفرصة و لم تهرب !؟
_ إجتر ! إجتر ، أو نم ، نم دعني أجتر ،أنت لم تأكل العشب بعد !
هكذا نجحت الخطة و هرب الخروف ليلا !
بدء يسير و الخوف يسيطر عليه مع كل صوت ذئب يعوي بعيدا ، يقول في نفسه كنت أود أن أسألها عن الضواري و أنا إنسان فمابالي الآن و أنا خروف ،يا الدنيا !
لكن حظه وقف تلك الليلة و لم يصادف أي وحش ! حتى الفجر وصل مكانا يشبه من أين هرب لكنه خالي من المواشي و فتاة تشبه الجنية و لها سوط ، ركبه الخوف من جديد ! لكن الفتاة ما أن رأته إبتسمت و طمأنته :_ لاشك هربت من العدوة ،
ضربته بالسوط و عاد إلى صفته الأصلية .
_ إنك شاب وسيم ، تلك أختي هي تحول و أنا أعيد التحويل و تضحك ،إلى أين القصد؟
– أود معرفة مكان بينية !
_ إنها مسافة بعيدة كتيرا لا يمكن الوصول إلى هناك وحدك ! إسمع سأدلك على مكان عمتي ، إذهب إلى تلك الضيعة و إنتظر حتى الصباح سوف تخرج بقرة قبل أن تراك إطل جسدك بروتها الجديد ، و أقترب منها و أطلب منها ما تشاء ؛
و بالفعل ، ما أن طلب منها نقله إلى بلاد بينيا حتى تحولت جنية طائرة و في رمشة عين كان أمام الرئيس بيريز ! و على مائدة الأكل ، و عرف نفسه له و طلب الأمان ، رحب به الرئيس و يسأله عن أحوال بلاده و عن الملك أبوه ! بعدما فرغ من الأكل ، نادى كلبه أكل ، وبعدها نادى بدخول السجان و امرأة متسخة مكبلة بالسلاسل فرمى لها بأكل ما تبقى من الكلب ! سأله الأمير الشاب من تكون ! و ما حجم خطيئتها ؟ قص الرئيس حكايته ! لكن الشاب كان شيء بداخله جعله يريد أن يسمع أيضا منها ، قال له الرئيس و هو يخرج إنها فقدت الكلام و طلب منه الإنصراف ، ثم أضاف إن عدت و وجدتك معها سيكون مصيرك معها !
و كأن الشاب يختزل الوقت معها و يربح المهلة التي أعطاه الرئيس ،سألها بسرعة و دون ملاطفة ! – رجل ك هذا قد يستحق الخيانة ، لكن وجهك الملائكي لا يقول ذلك، ضروري هناك سبب لخيانته !؟
– تغيرت ملامح وجهها العذبة إلى تقاسيم تعبيرية أخرى فهم منها أنه يجب أن يبحث أكثر ، و هو يعزم الخروج سمعها تقول بصوت يكاد يسمع : مع من ؟ لم يكن إلا هو !
بقيت جملتها تردد في عقله و هو يعود مع الجنية !
ثم فجأة سألها :أيمكن أن يتهيأ لها !
أجابته : كما تهيأت لك !
و كان فعلا هذا هو الجواب الذي يريد أن يسمعه و عرف أنها بريئة ضحية مؤامرة خسيسة
…