عشق الشيوخ ….بقلم الأديب موفق السلمي

عشق الشيوخ…

زرت شيخي الناسك الزاهد، وقد كان من كبار مشائخ العلم الذين تعلمت منهم الكثير من العلم النافع.

زرتُه كعادتي حين أشتاق إليه، زرته في يوم جمعة، وهو متفرغٌ للراحة في عقر داره، بقرية نائية، في محافظة إب. سلّمت عليه، وباركت له عمرته ورحلته إلى بيت الله تعالى، ومدينة نبيه صلى الله عليه وسلم.
حين قدمت إليه، لم أكن أطمح بماء زمزم وهدايا العائد من ربوع مكة، بل كل ما أصبو إليه، جلسة ود ممزوجة بالعلم، معه ومع طلابه الذين يتحلقون حوله.
لم يكن خطيب الجمعة هو، بل كان أحد طلبته الذين أنشأهم على أن يكونوا من بعده. وبعد عودتنا من الصلاة، كان يريد أن يخبرني بشيءٍ أشرد باله، وأقلق فؤاده، لكنه ما زال متحرجا مني، كيف له أن يخبرني بعدم تفرغه للجلوس معي وأنا طالبه الذي تجشّم عناء السفر وصولا إلى داره، كان يعلم يقينا بقدومي لسماع حديثه واقتباس شذرات من علمه الجم.
أركبني سيارته ولا أعلم بعد أين سيطرحني؟ أين سيذهب بي؟ أحادث ذاتي، هل سنذهب لتوثيق مشروع خيري؟ لا، فاليوم جمعة، لعله سيأخذني في نزهة ورحلة ترفيهية إلى ذلك الغيل أو الجبل الذي يوجد به بقايا بناءٍ لسقاية الملكة أروى، والممتد من مدينة جبلة حتى جامع معاذ بن جبل بالجند.
بقيت صامتا، ومنذ بدء إطارات السيارة بالتهام تلك الطريق المتعرج التي تخرجنا من قريته، حيث يسكن هناك مع أم ولده.
رفع الشيخ سماعةَ هاتفه، وبدأ حديثا رومانسيا لم أسمع مثله قبلا، بدأ حديثه بصباح الخير، فقاطعته بالقول: “الساعة الآن الثانية بعد الظهر”، وكأن “المتصل به” رد رداً يشبه ردي. كان الشيخ الخمسيني يتغزل ويقول: إشراق وجهك غرني/ حتى توهمت المساء صباحا!
أعلم الشيخُ، بتلك المكالمة الهاتفية، مباخرَ مُهاتفه، بإشعال النار، ترحيباً بقدومه، ترحيباً بقدومه لا بقدومي.
ذهب بعد أن قرأتُ فيه كل ملامح الحب والعشق، لقد تزوج شيخي بفتاة أعادته شابا يافعا. قال لي بأنها حميريّة ومن مدينة تعز، وما كان خروجها من تعز إلا نزوحا. حقيقة ما أجمل العشق حين يخامر القلوب، لا سيما قلوب مشائخ العلم، وما أجمل وقار العلم حين يختلط بشذرات العشق وغزل الشعر. قلت له: هكذا هي المصائب، فقد تكون لقوم فوائد.
ضحك شيخي، وقال مازحا: لماذا لم تنزح صبايا تعز قبل زمن

عن نوار الشاطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!