لا يجذبني شيء/ عبد المجيد التركي ( اليمن )

لا يجذبني الترند.. لم أكتب عن روسيا وأوكرانيا، ولا عن مشاورات الرياض واستبدال عبدربه منصور بالعليمي الذي يتقن اللغة أكثر، كأن مشكلة اليمن كانت في لغة عبدربه فقط.

لم أكتب عن نصف المرتب الذي جاء قبل يومين، بعد غياب طويل، لأنه كان مستعجلا، ومن غاب عن العين غاب عن الخاطر، وعن صاحب البقالة أيضا.

لا أنشر صور الإفطار.. مائدة رمضان محاطة بالجياع ومائدتي بسيطة لأن أكلي محدود جدا.
لحوحة، وطاسة سحاوق، وبطاطة مسلوقة مع بسباس حيمي، ستكون بمثابة المن والسلوى، وبإمكاني تمضية الليلة كلها بذمولة واحدة وكاس قشر.

تتعبني رتابة الوجبات، والالتزام بتوقيت الأكل طوال السنة في نفس الموعد، ومشاهدة نفس الأكل، ونفس الصحون، ونفس الملاعق، ونفس الكلام فوق المائدة.

لا أشاهد المسلسلات، وليس لديَّ شاشة تلفزيون في غرفتي، ولا أعرف شيئا عن لهجة هديل مانع ومخارج صوتها.
ما زلت مسكونا بصوت هدى الضبة و اخلاص القرشي ، وأحمد الذهباني، و علي صلاح وعبدالعزيز شايف.
كان التلفزيون “ناشيونال” بالأبيض والأسود، ولغتهم كانت ملونة.

ما زال مسلسل “افتح ياسمسم” هو المفضل لديَّ، وما زالت الليدي أوسكار هي المرأة التي كنت أتمنى الارتباط بها، فقد كان يعجبني جاكيتها الأبيض وسيفها الذي يلمع باستمرار كأنها تصقله بمعجون سيجنال، الذي كان يجعل أسنان سحر رامي تلمع قبل اختراع الفوتشوب..

ثلاث وعشرون ساعة أقضيها في البيت، كأنني أتمرن على حياة البرزخ..
أخرج ساعة واحدة كل يوم كي لا ينساني جيراني
ويظنون أنني قد مت قبل سنوات.. لأن مسجد حارتنا يفتح قرآن كل يوم، ولم نعد نعرف على روح من هذا القرآن..
توقفت عن تشييع الجنازات منذ زمن طويل، لأنني لا أحب ترديد عبارات العزاء الجاهزة والمكررة. إضافة إلى أنني أتخيل أن هذه الجنازة الممددة فوق النعش هي جنازتي، وهذا الأمر يرعبني كثيرا.. فأنا أخاف من لمس النعش الذي يحملون عليه الجنازة، ولا أريد أن يضعوني على نعش مستعمل حملوا عليه مئات الجنائز قبلي. أريد نعشا خشبيا جديدا لأكون أنا حزنه الأول.

ما علاقة الموت الآن بما كنت أريد كتابته؟
ما زلت على قيد الحياة. وكلما وضعت رأسي لأنام أشعر به يتحرك كالزئبق بداخل المخدة.
أحرك أصابع رجلي لأتأكد أن أطرافي ما زالت تتحرك، وأسعل من أجل أن أطمئن على سلامة جهازي التنفسي، وأنني ما زلت على قيد الحياة. كم أحب هذا القيد.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!