“ماذا تقول؟” / بقلم: دالية زرعيني

يقال أن  الحطيئة شاعر الهجاء الذي عرف بسلاطة لسانه،  هجا يوما سيد تميم   “الزبرقان بن بدر”  في بيتٍ من الشعر قال فيه:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها …

وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.

بيت من الشعر استدعى “الزبرقان بن بدر”  أن ينتفض لكرامته ومروءته. فشكا أمره لأمير المؤمنين  “عمر بن الخطاب ” رضي الله عنه. غير أنه هوّن الأمر حتى اعتبر ما قاله الحطيئة مجرد معاتبة من شاعر لرجل كريم قصرت يداه عن العطاء.

غير أن الزبرقان طلب شهادة مختص  بالشعر  عالم بمقاصده ولا تخفى عليه أسراره وخباياه،  فاختار  شاعر الرسول “حسان بن ثابت”  الذي أكّد الهجاء في بيت الحطيئة.

احترم عمر بن الخطاب رأي حسان بن ثابت،  وأصدر حكمه بسجن الحطيئة، فاستعطفه الحطيئة بأبيات بليغة قال فيها:

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ

زُغب الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

ألقيتَ كاسِبهم في قعرِ مظلمةٍ

فارحم، عليكَ سلامُ اللهِ يا عمرُ

وامنن على صبيةٍ بالرمل مسكنُهم

بين الأباطحِ تغشاهم بها القرَرُ

أهلي فداؤك كم بيني وبينهم

من عرض داويةٍ تعمى بها الخبرُ

فلما فرغ  الحطيئة من القصيدة، بكى عمر ، وأمر بإخراجه من السجن على ألا يعود الى الهجاء أبدا،

فقال الحطيئة: لا أستطيع

فسأله عمر:  ولمَ

قال الحطيئة: هو مأكلة عيالي، وعلّة لساني

فاشترى منه عمر أعراض الناس بثلاثة آلاف درهم، وأخذ عليه عهدا ألا يهجو أحدا، ثم أطلق سراحه.

ولكن الحطيئة الذي اعتاد لسانه على الشتم والسب والهجاء، عاد الى ما كان عليه بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى أنّ الناس كانوا يتحاشونه كي لا يقعوا ضحية لسانه السليط.

كم “حطيئة” اليوم بيننا  يسب ويشتم وينهش ويقضم ويخوض في أعراض الناس ، سليط اللسان يسعى في الغيبة والنميمة وقذف المحصنات؟!

وكم من “الفراخ”  يتضورون جوعا ويقاسون شدة البرد وحدهم دون معيل لا ماء ولا شجر ، لأن آباءهم يقبعون في السجون والمعتقلات المظلمة ولا يدري بهم أحد ؟!

من يرحم صغار المسجونين ويعطف عليهم، ومن يشتري أعراض الناس ومروءتهم وكرامتهم من بعدك يا عمر؟!

 

Aa

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!