مقاربة في معنى فلسفة في الفلسفة والدكتوراه D. الفرق بين PhD و D

بقلم:د قاسم المحبشي

‏‎‎‎‎لماذا يُطلق على درجة الدكتوراه “دكتوراه الفلسفة” PhD – Philosophy Doctor، بصرف النظر عن التخصص؟ تعني “دكتوراه الفلسفة” أن الشخص الذي يحملها قد وصل إلى الدرجة العلمية الأعلى في تخصصه. هذه الدرجة العلمية هي امتلاك فلسفة ذلك التخصص، أي امتلاك القدرة على التفكير والإبداع بمنهج ذلك التخصص، والقدرة على التنظير له، والوصول إلى النظرية العلمية الخالصة والمجردة للتخصص. هذا المستوى النظري الأعلى لعلم ما، يسمى فلسفة ذلك العلم. وكلمة فلسفة هنا ليس لها علاقة بالتخصص الأكاديمي للفلسفة. فعندما تحصل على دكتوراه الفلسفة في الطب أو الهندسة أو الرياضيات أو الأدب أو الاقتصاد أو ادارة الاعمال أو الصيدلة أو أي تخصص آخر، فهذا يعني أنك امتلكت ناصية ذلك العلم وأصبحت حكيماً فيه (بالمعنى اليوناني القديم للحكمة وهي امتلاك المعرفة من أجل ذاتها)، وامتلكت أصوله ومناهجه وقواعده النظرية.
أما كلمة “دكتور” فهي ترجع إلى أصل لاتيني Doctor، وهي تعني عالم لاهوتي لديه القدرة على عرض المذهب الديني الرسمي للديانة الكاثوليكية Doctrine وتعليمه للناس والدفاع عنه، وهي قريبة في معناها من الفقيه والأصولي في الحضارة الإسلامية. وكانت درجة الدكتوراه تمنحها الكنيسة لرجال الدين المتخصصين في اللاهوت منذ العصور الوسطى، ثم تحولت إلى الدرجة العليا التي تمنحها الجامعات في التخصصات غير الدينية في العصور الوسطى المتأخرة؛ وكي يتم التمييز بين الدكتوراه الأصلية التي كانت تعني درجة في علم اللاهوت المتخصص، والدكتوراه في التخصصات الأخرى غير الدينية، سميت الأخيرة بدكتوراه الفلسفة، تمييزاً لها عن دكتوراه اللاهوت، لأن العلمين الأساسيين في أوروبا آنذاك كانا العلم الديني المسمى اللاهوت، والعلم الدنيوي أو المدني وهو الفلسفة وما تشمله من كل العلوم الفرعية الأخرى؛ وقد كانت الفلسفة تضم كل العلوم، حتى بدأ الانفصال التدريجي بينهما ابتداءً من القرن السابع عشر.

في ضوء ما تقدم يمكن القول أن معنى دكتوراه في فلسفة الفلسفة يعني حصول طالب الدراسات الفلسفية العليا على أرفع شهادة أكاديمية في تحصيل المعرفة الفلسفية. بمعنى إجازة الشخص الذي يمتلكها في قدرته على امتلاك ناصية التخصص ومفاهيمه الأساسية وقدرته على ممارس التفكير والتدريس والكتابة والنشر في مجال العلوم الفلسفية. والفلسفة هي الفكر الذي يفكر وهي حكمة العقل ودهشة الانفعال هي المعنية دائما بتحطيم الأوثان؛ اوثان العقل ذات وذلك بنقدها وبيان تارخانيتها وهذا هو معناها بوصفها قدرة الأنا الواعية على وعي ذاتها إي العقل الذي يعقل ذاته. قدرة الفكر على المزاوجة بين ملاحظة سلوكاته الذاتية ووعي ذلك السلوك اثناء الانهماك في تأمل الموضوعات الخارجية” السلوكات الذاتية للعقل هي عاداته وأعرافه أي، بكلمة، آليات اشتغاله. لكن لمعرفة هذه السلوكات لا بد من الإحاطة علما بصيرورة تطورها ، وهو ما دفع إلى نشوء الجينيالوجيا (علم نسابة الفكر البشري) وحدها الفلسفة هي من ستنطق الكلمات والمفاهيم والمصطلحات والافكار من أين جاءت؟ وكيف ولدت وازهرت في سياقاتها الاجتماعية والتاريخية؟ ولا يمكن فهم العقل بدون فهم اللغة إذ لا تفكير الا بالكلمات والصور الذهنية حتى في الأحلام. ولكل مفهوم مكان وزمان ولادة وسياق نمو وازدهار وعلاقة قوة وسلطة وحقل دلالة وفضاء تلقي وحساسية ثقافة وابتسمية خطاب. والفلسفة في الأساس هي نشاط فكري أكثر من كونها معرفة مكتسبة. إذ هي طريقة في ممارسة‪ ‬التفكير تتميز عن أنماط التفكير الأخرى العلمية وغير العلمية بقدرتها على الاتصال‪ ‬والانفصال ،وموقفها النقدي من كل ماتفكر فيه ،أنها نقد شامل وجذري للفكر والواقع والذات‪ ‬والتصورات والأفكار والأوهام؛ إنها الفكر الذي يفكر وهي بحسب‪ ‬جيل دلوز.. ليست تفكيراً فحسب بل هي الفكر الذي يبدع المفاهيم، هي تفكير بواسطة‪ ‬المفاهيم‪.‬
وبهذا نلخص إلى أن الفلسفة تقوم بوظيفة مزدوجة؛ وظيفة الفهم العقلاني للعالم ووظيفة التطهير الذاتي للعقل الذي يتعقل العالم وإعادة بناءه باستمرار .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!