مقامات خالدة / بقلم:نوار الشاطر

الحلقة الأولى : { الشيخ عبد الرحيم الشاطر }

يقول مولانا جلال الدين الرومي ما تبحث عنه يبحث عنك …

جاورت النبي الكريم صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار مايقارب ٣ سنوات شعرت فيها بعظمة روح سيدنا محمد و بعمق المعنى  المحمدي في مفهوم الاسلام بمعناه الروحي الوجداني ، لذا تعلقت روحي بتلك القبة الخضراء و بصاحبها لدرجة أنني شعرت بالتمزق حين غادرت المدينة لكن روحي بقيت هناك تتجول في حرمه .

كتب لي ربي الحج قبل سنوات واعتمرت مرات كثيرة وعانقت البيت الحرام ولامست الحجر الاسود و شربت ماء زمزم حتى تعلق قلبي بالكعبة وحين غادرت تركت قلبي هناك يسعى ويقبل مقام ابراهيم عليه السلام .

في دمشق شعرت بالغربة فبدأت أبحث عن أي أثر لحضرة النبي  صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار .

كنت أتفقد مكتبة والدي التي تذخر بنفائس كتب العلوم والفقه والسياسة والأدب وقع نظري على مخطوطة مكتوبة بخط اليد عندما قرأت مافيها بدأت روحي ترفرف وعاد لقلبي نبضه .

كانت المخطوطة مكتوبة بخط يد شيخ جليل قريب لوالدي يتحدث فيها عن رؤيته للرسول الكريم ولأهل السلسة و الأنبياء و الأقطاب سلام الله عليهم أجمعين ، وكنت أذكر هذا الشيخ من طفولتي يحدثني عنه والدي ويأخذي إلى المسجد الذي كان يعتكف فيه وكان قد توفي وأنا صغيرة جداً .

بعد أن انتهيت من قراءة المخطوطة عقدت العزم على أن أزور وأروي قبره وأقرأ له الفاتحة .

توجهت إلى مقبرة باب صغير وكانت هذه زيارتي الأولى وأنا في طريقي لقبره استوقفني مقام جميل كُتب عليه هذا ضريح السيدة فضة جارية رسول الله زادت نبضات قلبي و بدأت دموعي تنهمر قد عثرت على أول أثر … قرأت الفاتحة وبلغتها أن تبلغ سلامي وحبي وشوقي لحضرة النبي الكريم ولآله الأطهار .

تابعت المسير إلى أن وصلت إلى قبر الشيخ الجليل و للحظات شعرت بالنور يخرج من قبره قرأت له الفاتحة ورويت القبر و طلبت منه أن يبلغ شوقي وحبي وسلامي للنبي الأكرم .

في طريق خروجي وجدت باباً صغيراً نقش فوقه هنا مقام السيدة أم حبيبة وأم سلمة زوجات النبي الأكرم

يا الله أثر أخر وقلبي يزداد نبضه ودموعي تهطل …

زيارة واحدة لن تكفي لاستكشاف هذا المكان المميز … قد تبدو ظاهراً أنها قبور لكنه روضات من رياض الجنة لمن يراها بقلبه .

{لمحة عن حياة الشيخ عبد الرحيم الشاطر الحمصي  }

ولد في حمص،وتلقى العلم منذ صباه من الشيخ شاكر الحمصي ،واجتمع بكثير من علماء عصره كالشيخ سليم خلف والشيخ أبي النصر خلف وغيرهم وتأثر بهم وبأقوالهم ،وشاهد كثير من كراماتهم .

هاجر إلى دمشق وأخذ من علمائها .

نظم الشعر صغيراً ،ثم كانت له قصائد في مدح النبي صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار ، وأتقن فن الأنغام فكان عارفاً فيها ومدرباً، كما كان له صوت شجي في تلاوة القرءان الكريم ،وإنشاد القصائد والتوسلات .

التقى كثيراً بالعلماء والصالحين فكان راوياً لأخبارهم وأحوالهم وكراماتهم وخاصة للشيخ شاكر الحمصي .

صحب في دمشق العديد من العلماء منهم الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت الحافظ والشيخ البرهاني وغيرهما ، واتخذ لنفسه سكناً في جامع نور الدين الشهيد و له فيها مكتبة عظيمة فيها مؤلفات نادرة فكان مقصداً للزائرين والمحبين .

كما أنه كان يقضي بعض أوقاته في مسجد النوفرة الأحمدي في حي القيمرية .

أحبه الكثير من أهل الشام لصلاحه وتقواه وزهده وبعده عن مظاهر الدنيا .

له العديد من المؤلفات  منها ” مرقاة القبول في الصلاة والسلام على سيدنا محمد طه الرسول ” ، ومختصره كتيب

” الصلاة العشرية في الصلاة والسلام على سيدنا محمد خير البرية ”   ومخطوطات كتبها بخط يده بعنوان ” خصوصيات الخلع على من أخبت وخضع ” دونها بتاريخ ١٩ رمضان عام ١٣٥٢ هجري .

” العطايا الحبيبة لاتمام الدائرة وتكملة القطبية ” دونها في ١٢ شوال عام ١٣٥٢ هجري .

عاش الشيخ الجليل حوالي ١٠٤ أعوام قضاها في العلم ومحبة الله ورسوله و آله الأطهار  وكان له العديد من المريدين والطلبة نهلوا من علمه و تشربوا حب الله ونبيه الأكرم فكان مثالاً للتصوف الحقيقي .

انتقل إلى جوار ربه ٤ محرم ١٤١٢هجري الموافق ١٥ تموز ١٩٩١ميلادي حيث صلى الشيخ العلامة عبد الرزاق الحلبي شيخ الجامع الأموي على جثمانه الطاهر في الجامع الأموي ورافقه إلى مقبرة باب صغير حيث لقنه الشهادة و دُفن هناك .

  • من أشهر القصائد التي كتبها في مدح الحبيب الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار :

يا رسول سلام عليك يا نبي سلام عليك يا حبيب سلام عليك صلوات الله عليك

يا رسول الله كن لي مسعفا في نيل سؤلي ارحم فاقتي و ذلي حملتي حطت لديك

يا رسول جئت إليك أرتجي بر يديك فأغث يا خير ملجأ بالذي صلى عليك

يا حبيبي يا محمد كن طبيبي يا ممجد أنت ذو الفضل المؤبد جل من سلم عليك

جئت يا طه لبابك واقعا وسط رحابك ارتجي عطف جنابك و الندى من راحتيك

جئت أشكو من ذنوبي سائلا ستر عيوبي راجيا كشف كروبي فأغث من جاء إليك

أنت نبراس البرايا أنت كشاف الرزايا أنت قسام العطايا جد لي طه من يديك

أنت حب الله طه نلت قدرا لا يضاها جل و لك الفضل تناهى من منّ عليك

روّح العاني بنشرك فرّج الجاني ببشرك أكرم الفاني بذكرك  وأنله من لديك

فعليك الله صلّى كلما المولى تجلّى  وعلى آل أجله  وبنيك و ذويك

رب عمم بالنعيم كل عبد مستقيم ما شذا عبد الرحيم يا رسول جئت إليك ….

* المصدر لسيرة الشيخ مأخوذ من كتاب تاريخ علماء دمشق لمطيع الحافظ ونزار أباظه الصفحة رقم ٥٦٠ .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!