أمنية بعيدة/ الشاعر وليد المسعودي

لصحيفة آفاق حرة:
______________

أمنية بعيدة

الشاعر وليدالمسعودي

أمنية بعيدة
عن جسده الهزيل
أن يرتدي (قاطا)
حتى لو كان أبيضًا
مثل قلبه
أو أسودًا
مثل طرقات المدينة
كان يحلم
ولكن يا للخيبة..!!
لم يتحقّق الحلم
إلّا عندما أصبح شهيداً
يدور (قاطه) الجميل
في السّاحات العامة.

في السّاحات العامة
مع صور الشهداء
مُعلّقة قلوب الأمهات
واحدة تهمس للصبايا:
هذا ولدي
يا ليته ضاع حيًّا
بين عطركن،
او بين شفاهكن المستديرة
كحبات العنب.
يا ليته ضاع ميتاً وطائراً
في جدائلكن السّوداء
كليلي الطويل هذا
يا ليته ويا ليته
لم يضع في حرب ما تزال
يقودها تجار ولصوص .
….
تجار، ولصوص
يصرخ بائع البصل
الذي بُترَت ساقه اليمنى
في وجه (جكساره)
قادمة من بعيد.
ساقه اليمنى
كانت ثابتة كخنجر
في صدر عدو
لم تساوِ اليوم
بصلة سوداء في الخريف
يا لها من خيبة
أن تدفع قلبك
لحب الخربة المُسمّاة وطن،
ولا تجني سوى الخسارة
خسارة الهواء
وهو يمرّ سعيداً بين الرّئتين
خسارة التراب
الذي تدوسه؛
فتعمي القلب
قبل العين (جكسارة)
خسارة الماء
وهو يباع
من عيون حزينة
تدور في الأزقة
خسارة النار المشتعلة
في ساحة التحرير
ولا تجد الإيقاد
من هؤلاء النائمين
على جرحهم كل يوم ،
من فقراء المدينة .
….
من فقراء المدينة
العامل الشرقي (أبو رضا)
في حديقته الصغيرة
عشرة أنواع من الزهور
تتفتّح واحدة
وتذبل أخرى
لا يملُّ من السقي
مرة بدموعه،
ومرّة بضحكاته المليئة بالتجاعيد،
ومرّة بعرقه الغزير
عرق يسيل حتى في الشتاء؛
من أجل أن تبقى
الزهور مُفتّحة، وضاحكة
في وجه النهار
يا له من تفتّح
يفرح شباب الحيِّ،
وهم يُغازلون العطر
بقصائد الحب.
يُغازلون، وتسمع السماء
ماذا يفعل قلب العامل الشرقي حينذاك؟
ينبض خوفًا،
ويدعو أن يكون القطاف
من عاشق يخاف الله
فقيرًا مثله،
ولا يحلم،
أن تدور به السّاحات العامة
في صورة شهيد
خدعه (القاطُ) وضَلّ
أمنيةً بعيدة.
_____

* (القاط : بدلة حديثة كاملة)
* (جكساره : اسم سيارة فخمة وغالية الثمن تطلق على التويوتا اللاندكروز الحديثة).

….
بغداد

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!