إنه الليل/بقلم:أحمد يفوز( اليمن)

إنه الليل،…
حيث يسكن الظلام…
ويطوف السكون في أرجاء هذا الكون، وتمتطي من على ظهره أطنان من الهواجس والأفكار…،

أتاني طيفها،…
وكعادتي كنت ملتزما محراب خواطري،
أقوم الليل شعرا ونثرا، أؤدي طواف الوداع حول كعبة الهوى ويسعى الفؤاد بين شوقه وذكراه!؛…

أتى طيفها، يجري من تحته سجاد تركي وكأنه قد نسج من خصلات شعرها.
ليأخذني من مكاني ويسري بي إلى مكان لا أراه بالغريب!؛

إنه ذلك المكان حيث أقمنا أولى صلوات الهوى،….
فوجهتُ وجهي نحوها وقلت :السلام على من لم يتبع الهوى!؛
وأخذ يطوف بي حتى أتينا وادياً ينتشر صدى الآهات من أركانه!؛

فقال ما هذا: قلت وكأنها نفسها التي تساقطت من جوف الفؤاد يوم أن أجريت معاملة الهجر وقطعت تأشيرة الأسى،
ف لم يزل طيفها يحاول أن يعرف مصدر تلك الآهات الغريبة أمرها، إلا أنه لم يستطع، وكيف له أن يدرك ما هي ولم يكن يوما في مدى صداها…
مشينا سريعا، ووقفنا على أوراق بيضاء يملؤها الحبر لكنه باللون الأحمر هذه المرة!؛

سألته سريعا ألم تعرف ما هي؟!…
قال وهل هي قصائد مجنون ليلى قد كستها دموع محبوبته!.

– اعترى داخلي الصمت وانتظرت الفؤاد حتى يأذن لي بالإشارة إليه، وفهم هو بأنها ذكرى ل يوم، خطت من دموع هذا الفؤاد المكلوم!؛.

ثم جرني خلفه، وأخذ يتنقل بين الصبا والسيكا يقف على نهاوند ثم ينتهي بحجازٍ مجس، وأتينا سوقاً تتجول به الموسيقى كنهر تتدفق فيه قطرات الماء!؛
أشبه بسوق عكاظ لكن لا يقال فيه الشعر ولا يقف النضر بن الحارث ليحدث الزائرون عن قصص من مضوا،…
بل كل من فيه يمتهنون عزف آلات موسيقية، ليقول لي طيفها ما بك لا تغني كما كنت تفعل من قبل!؛.
وأي غناء هذا الذي يكون فيه الصمت والاستماع لمثل هكذا موسيقى أحب من الخوض في ترتيل كلمات الشعر…
فلم أتمالك نفسي،!

سمعت اوتار تعزف لكنها ليست كالبقية،
إنه “معبد” جاء يعزف تعويذة من زمن بثينة، وجميل هو من يقول الشعر هذه المرة ولكن لم يجد من يصدح بها!
أتينا “نجد” هناك حيث يلتقي الجمال، وتجتمع قبور ضحايا العشق، حيث فصاحة العشاق وبلاغة المعنى الحقيقي للشعر في زمن كان هو أسمى ما يكون،.

مررنا بمجنون ليلى وكم تمنيت أن ألتقي به، لاساله عن قوله في فتى يرى النار تمشي إليه ولا يهرب منها ويرى الريح تعصف بمن حوله ولا يتحرك عنها،
من انتهت به الايام وهو ينتظر فرضا جديداً ليقف بين يدي محبوبته عوضا عن المرات التي ذهبت بانتظار دخول الوقت،

لم أكمل الحديث حتى قال بيته الشهير:
“وإني لأستغشي وما بي نعسةٌ لعل خيالاً منك يلقى خياليا
هي السِّحرُ إلا أن للسِّحر رقية وأني لا ألفي لها الدهر راقيا”

-كلنا يا قيس نستغشي تلك النعسة!؛، لكنها حرمت علينا كما حرم الله القدس على اليهود!؛

وما إن انتهيت من وداعي لمجنون ليلى، حتى قلت السلام على مجنون أسماء!؛
ومن منا لم يسمع “بالمرقش الأكبر”، يمني المولد وعراقي المنشى، أحد مجانين الحب والاكثر فتكا به!

هو نفسه الذي كان ضحية الخوض في سبيل الرفعة والصيت من أجل نيل شرف القبول بزواجه من محبوبته أسماء؛…
وهذا سبيل سلكه الكثير ممن رام بهم الغرام لكن القليل من عاد وهو يحمل الزاد الكافي في الوقت المناسب، وإلا فمدارب السيل قد تهدم إن لم تجد من يرعاها!؛.

ومن ارض نجران أخذ بي إلى أرض اللقاء الأول!؛
حيث “إبن زيدون” ينشد حبه “لولاده” وهو القائل:
“ودع الصبر محب ودعك ذائع من سره ما استودعك”

وما أجمل شعور إبن زيدون وما أبلغ شعره إلا انه عاشق جاء في زمن الاندلس حيث للمرأة مكانتها الرفيعة فتكتب قصة غرامها كما تريد هي؛!..

فلقد تجرع الحرمان وذاق مرارة الفراق من تلك المحبوبة التي لم تحظَ ليلى بتلك المكانة الرفيعة وهو ما يجعل الأمر أكثر فتكاً من غيره!؛…

– ثم أشار إليَّ طيفُ من أهوى أن اتهيا للعودة، وانا ما زلت أبحث عن نفسي بين أي الفرق أكون!؛

عدتُ وقتها، لتخبرني الاوراق بأنها لم تنتظر طويلا ومواكب الأفكار تقف في صفها كالعادة،..
وهذه المرة الأولى التي أشعر وكان هناك أقوام يؤدون هذه الطقوس في أقطار المعمورة فمنهم السابقون ومنهم ما زال منتظراً في مكانه…!؛
🤍

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!