في لغة ما/ بقلم:زهره القاضي( تونس)

في لغة ما، يعبّر عن أزمنة الفعل المختلفة بنبرات مختلفة،

فتعلو النّبرة حينا، وتخفض حينا آخر،

في لغة ما، معنى الكلمة يختلف إن اختلفت نبرة الصّوت ،

أمّا أنا، فمازلت أبحث عن لغة تصرّف فيها أزمنة الفعل في لغة الشّعر

ومازلت أنبش عن كلمة تهب نفسها للصّمت

ومازلت أمتح عن لغة فاقدة أفعال الحركة حتّى تصدح حنجرتي بصوت خفيض:

الزّمن هو زمن الكلمة الأولى التي تخرج إلى النّور.

 

أبي، جاء من البديدة المظلمة،

لم ير كلمة الله الأولى التي اخترقت الصّمت،

لكنّه خبر لغة الشّعر اليائسة التي اخترقت حنجرتي

هذا أبي، هذا شاعر

لم يقل هذه كلمة، وإنّما نمت الكلمة بين أحراش اللّغة

منفردة، على حواشي الصّمت، أورقت.

هذا ابي، هذا شاعر،

حين يتكلّم، يدفع جسده ويديه بعنف

أمّا أنا، فوردة عجنت في الضّجيج

أقول بصوت خفيض: أنا وأبي لغة ما.

 

هذا أبي، هذا شاعر

شاخ، فعاد إلى الصّمت

عاد طفلا يتلكّأ

طفلا، يتحسّس مخارج الأصوات من الحنجرة

لغة الشّعر، لغة يائسة

لا فعلَ يصرّف في لغة الشّعر

حتّى يعود أبي إلى الكلام

لغة الشّعر، لغة يائسة

كلمة أبي الأخيرة لم تمصّها لغة الشّعر

بل وهبت نفسها للصّمت

لغة الشّعر، لغة يائسة

يئِست حين سقطت من فم الله

يبست حين سقطت من يد الله

لغة أبي، لغة ما

لغة أبي، لغة الشّعر.

 

في النّحو، تعلّمت أشياء كثيرة منها

أنّ الكلمة تُلصق بالكلمة

وأنّ الكلمة تُحدث عملا في الكلمة

أعرض هذه الأشياءَ على أبي

حتّى يتكلّم أكثر ممّا يومئ،

لكنّه لا يتكلّم..يغمغم..

حين يغمغم، يموت الزّمن

حين يصدح، تلتفت كلّ الأزمنة

هذا أبي، هذا شاعر

يكتب عن نهر، ليسمعك خريره

يكتب عن ريح، ليسمعك هزيزه

صوت أبي، منسلّ من الطّبيعة

حينَ أعْيَنَ أرضه،

نبغت لغة ما، هي لغة الشّعر.
——-

أعيَنَ: حفرَ حتّى بلغ الماء.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!