لم تعد العصافيرُ مِن البيادقِ / بقلم : أحمد رافع

I

ليس شأن الريح

لم ينادِ لسانُ الطريق القنافذ

كان الفلاحُ هزيلا

فالعشبُ أَردَى من خصرهِ ميتا

ساحت الورود

فالرحيقُ طرائقُ النحلِ المُتنامي

سأسكرُ مع الجرادةِ

كي أفتعلَ المرارةَ ببطنِ الحقول

وأعودُ منسياً تسكُنني حشراتُ الصيفِ

فلم يكن أصبعي فأسَ الحـطـاب

أحدَهُم نخّب ظهرَ الصفصافِ

فنهضتْ السواقي تتقيّأ

أرأيـتَ الزغاريدَ السـجـينـةَ

فلماذا ترفرفُ مِثلي مذبوحًا في المحطة

 

II

ما كان للسنونوة أن تحطَ فوق رأسي

لولا الترابُ المُستهام

الرطبُ بنثيثِ الموتِ القديم

فهل سمعتَ الكناري

ما كانت القناطـرُ تـهدهـدُ بين أضـلاعي

في سَكينتها الممشوقةِ بشخيرِ الماء

أسألُ من؟

ولسـانُ الليـلِ ناعــورٌ

مجتثٌ من ولهِ النهر

يجترُ كالبعيرِ ما تبقى من الرقيم

ماتَ الغزالُ حرّاناً

فلتذهبِ الجرادةُ حاملةً لونَ الصيد

لا تفتل اجنحتها بين أصابعي كشموعٍ منسية

III

ليس شأن الديك

لم تفتت الصخورُ نفسها ترحيبا للمطر

كان الفجرُ يسدلُ الستارةَ مثقوبةً

لو يرجعُ الليلُ

مرتدياً فستانهُ المبلل بالحليب

سـتعــود

قـصـــيدتي السـمـيـنـة

تـتـسلقُ الأسـفنجَ مـجدداً

كلما هممتُ الوصول

الى حُلمةٍ يسكنها موجٌ منتصبٌ للسماء

أنزلقُ سائلاً

دون عودةِ المخالبِ للصيدِ المُرتجف

فهل سمعتَ رنين الشراشف

VI

لو كان الصبي يشاطرُ رئتي

ما ارتجفت يداه حين هبَّ اعصارُ الدخانِ

لو كان المطرُ انثى

والريحُ الداعقةُ صوتها المحنطُ على الأبواب

ما غيّر النهر مجراه

وأنـتـشلَ النهودَ السائلة

لو كان خرمُ الإبرةِ مغارةً رطبةً للخيوط

ما اشتبكَ الفُرسان بموتي اليابس

ما صاحَ المِغزلُ بوجهِ الأعمى

لو كان النحلُ يضاجعُ الرحيق خلسةً

حينها أسألُ من ؟

والفلاحُ يمشي وراءَ تابوتِ البُستان

VII

ماذا لو عادَ الغزالُ حاملاً نابَ الأسد

هل ينبئني العرافُ بموتِ الزئير

ماذا لو عاد نسيجُ البكارة

هل يلتهمهُ القطيعُ حين تدفعُ الذئابُ ترابها

أسألُ من؟

والمقاصلُ تجرُ رائحةَ المطر لأنبوبِ الدم

فلترتعِ البراكينُ في صدري

ما عادت العصافيرُ تنفلتُ من البيادق

هذا الأرنبُ يطير

يا لهوائهِ المختنقِ بالوكرِ القادم

هذا الحقلُ يرتعدُ

أما يدري الجرادُ إني طفقتُ بورقِ الهزائم

هذا الماءُ

يخبئُ لوعةَ الغرقِ في الخياشيم

ماذا لو كانت الزعانفُ مجاديفًا أخرى للنجاة

VIII

عاد الصبي جمرةً تطحنُ الجليد

هلّا يعي العجوز

أَنّ الولدَ العنيدَ عاد مُتدثرا بجلدِ الدب

لو كانت أغاني الحطاب تدري

ما اختبأتْ في الكوخِ متنكرةً بالدفئ

إذن فالموتُ الساخنُ أحمقٌ

ومرآةُ البحرِ تعكسُ فكرةَ المهووس بالغرق

والساحلُ دموعُ الموتى

للذين رحلوا برداءِ آلهةٍ مخمورة

ماذا لو عادَ السديمُ بنياحِ الطيور المهاجرة

أسألُ من ؟

ولا أعرفُ عن كهفِ القديس

إلا الخواءَ المجبولَ بقهقهةِ الشياطين

ولم أرَ

عينَ الأرخبيل تشقُ نظرتها للغطس

تتفحمُ قبالتي حين أجيءُ سكراناً

IX

دارت قُربي العناكب

باتت تنسجُ صيحتها من خدي

تشابكت كل رؤاها في متاهةِ التجاعيدِ

فالموتُ يغني

والآلهةُ ترقصُ غجريةً في الحانة

ما كان خـصـر النهر يـنـمو بالسيسبان

لولا صراخُ الأسماك

والزوارقُ المستهامةُ بالجرف

كان السكرانُ يدورُ في الشوارع

كمغزلٍ تاهَ من أصابعِ الغروب

تتهدلُ من عينيهِ حكاياتُ المنسيين

أسأل من ؟

وعـظامي تتكسرُ في السفرِ

لِمَ يحدق النسر ملياً

ويـثقبُ حنـجـرةَ الغابة

لو عادت العصافير من أعشاشِ البيادق

حينها أسألُ أرياشها

كيف بدت رحلةُ البومةِ في الطريق

 

 

 

 

_

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!