الريف / بقلم : رشيد الغازي / المغرب

في مطعم الروبيو الشعبي، طلبت السردين المشوي، والبيصر بالزيت والفلفل الحار. أسندت رأسي إلى مسند الكرسي. أقظم أضافري وأنتظر غذائي. النادل يرصف الكراسي. يجمع ما شاط من الأكل ويلقي به في القمامة. طويل القامة، نحيف. بشرته سمراء داكنة. شعره سواه زينه وسرحه، مسد لحيته وقص شاربه، أنفه تملأه البقع السوداء. يعرج عرجا خفيفا. شابة في عقدها الثاني تدلف إلى المطعم، تشد شعرها بشريط وردي. نهداها الصغيران يختفيان ويظهران مع أنفاسها الصاعدة الهابطة، خلفها أم ضخمة تتأبط ذراع زوجها القصير الممتلئ. في أقصى المطعم مسن يمصّ رؤوس الأسماك التي إلتهمها حديثا. في الخارج كل شيء هادئ، سوى صرير سيارة تعبر الطريق. جاءني النادل بالغذاء وانتقل الى زبون أخر. تناولت الوجبة بسرعة. سددت ثمن ما أكلت، شاط درهمان تركتهما للنادل، نسمي العادة نحن في الريف (proupina). وودعت الأخير مبتسما.

تقيأني شارع محمد الخامس إلى ساحة الشهداء. دروب المدينة تلتهمني، من درب الى درب، وشارع بشارع. أمضي إلى مقهى فلوريذو (flourido). طقس اليوم حار. الشمس تذوب في الأفق. أشعتها تصبغ سطوح المباني، وقبة مسجد العتيق. فتاة تعبر الطريق. خطواتها واسعة وسريعة كوثبات الفهد. شعرها الأسود متناثر فوق جبهتها وأذنيها وعنقها. أطفال يجرون وراء الكرة. يلعبون. كلاب تنبش القمامة المبعثرة هنا وهناك. قرب جدار يميل لونه الى البياض. وقد كتب عليه( ممنوع البول هنا وشكرا). يجلس بائع السجائر. بطنه منتفخ كالمرأة الحامل. العرق يسيل على جبهته. مجّ نفسا عميقا من سجارته، ونفث دخان تلاشى يوم تشكّل. أخذ يحدق فيّ بنظرات عدوانية. أسرعت الخطى مبتعدا. أمضي إلى وجهة المعلومة.

سماء الحسيمة توشحت بوشاحها الاسود، عقارب ساعة اليدوية تاهت في متاهات الزمن، كما تاهت احلام شباب الريف في سجون الوطن. منذ دلفت المدينة، وجدتها، بائسة، حزينة، خاوية، نصف شبابها هاجر الى الضفة الاخرى، والنصف الاخر موزع بين زنازن الوطن. تمكنني التعب، خارت قواي، الأن سأعرج الى منزل جدتي القابع بحي سيدي عبيد، سأزور حفيدتي أمل وأنا متيقن أن هذا الجيل سيكبر وسيقود ما بدأناه من جديد يوما.
ستصرخ حناجر الريفيين مستقبل : ب عاش الريف ولا عاش من خانه.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!