عند كل خطوة يميل جسده الى جهة ، ويحدث فرقعة كلما وطأت إحدى رجليه الارض . يرتدي زَيّاً أخضر حائل لونه وفوق رأسه طربوش ، يتقدم بركبة متصلبة كالخشب . رجع المجند بعد غياب طال سنة خالها أقرباؤه عقودا طويلة . تغيرت ملامحه ، جلده المدبغ بالشمس الحارقة أصبح شاحبا ، نظراته المشعة أخمدت في عينين غائرتين ، تدعوان للشفقة على قدره المشؤوم .
إشاعات وصلت بسرعة البرق الى قريته البعيدة التي لا توصل إليها الا طريق ملتوية نحتتها حوافر الدواب ودكتها مداسات الأرجل . شاع أن المجند الذي ذهب ليقاتل المرتدين توفي ، فى البداية أصيب بالرعب لرؤيته مخلفات الحرب و تبول في زيه : جثث ممددة ، أطراف مبتورة و متحللة ، غير أنه سرعان ما آلفها و وتلاشى خوفه ، لملم قواه و قاتل ببسالة ، غير أن قنبلة فاجأته في مخبئه و فرقعته . وبعدها غابت أخباره .
ارتبكت أسرته ولَم تعرف ما يجب فعله ، أتذهب للاستفسار عنه في الثكنة التي ينتمي إليها أو تقيم طقوس الدفن وتدعو الى صلاة الغائب ؟ ولكن حدس الأم كان مغايرا . ظل أمل العودة عالقا بأجفانها التي لم تصدق خبر إصابته ، و أنه سيعود قريبا . صار الإنتظار حدادا لا ينتهي ، أحرق قوى أهله . وفجأة ظهر في الأفق طيف كما في حلم وفرقعة الخطوات أيقظت الأم من غفوتها وبددت حزنها عندما رأت ابنها من لحم وعظم