لم يُكمل / بقلم الروائي : محمد فتحي المقداد

أصغي إليه بكامل جوارحي المُتفطّرة ألمًا وحُزنًا: “قبل سنتين سمعنا آخر أخبار البلد عند قدوم آخر سجين جيء به إلى مهجعنا”.
لا يفصلُ بينا إلا عرض الطّاولة، وكأنّه حيِل بيني وبينه بجبال من الضباب، أو بمسافات تصل حدود تدمر.
تابَع: “ظِلّ حارس الشرّاقة اختفى، غبارٌ هبط علينا منها، صفير الرّياح الهائجة كسر رتابة صمت المكان. عيوننا تعلّقت بفتحة الشرّاقة ظنننّا قيام القيامة، صفحة جريدة حطّت رِحالها على الشّبك الحديديّ”.
توقّف لالتقاط أنفاسه من جديد. قتلني الانتظار. خِلتُه اختنق وتوقّفت نبضات قلبه. بعصبيّة نبّهت روّاد المقهى: ” تابِع يا خالد لا تقتل حبل أفكاري”.
اهتزّ جسمه بحركة لا إراديّة واضحة، كأنّما سَرَت فيها كهرباء التحقيق. قال، وعيناه ساهمتان في الأفق خلال نافذة قريبة من طاولتنا: “بُثّت في قلوبنا حياة دافئة. تواثَبَت أحلامُنا شوقًا لرؤية ما تحمل هذه الورقة”.
نبرةٌ حازمةٌ من أحدهم بتشكيل هرمٍ بشريّ للوصول بأعلى قمّته لإنزال الجريدة. ثوانٍ قليلة ناهزت سنوات مَنَفاهُم.
صوتٌ آخر: آمِرًا من بيده الجريدة بالدّخول إلى الحمّام لقراءتها، وإخبارهم بما فيها.
الانتظار كان سيّد الموقف في سجن تدمر. جَمْر الانتطار يُحرّقُني لاستكمال حكاية صديقي خالد الذي أقفل، ولم يُكمِل.
________
* ملاحظة- فكرة النص مقتبسة من حوار الروائي خالد خليفة حول روايته (القوقعة)
* الشرّاقة فتحة في أعلى أسقف المهاجع. الحارس يراقب منها السجناء.
__________

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!