إضاءات نصية على قصيدة ” العاصفة ” للشاعرة التونسية بسمة الحذيري

 

هاشم خليل عبدالغني الأردن

   عنوان القصيدة العاصفة يشير لفحوى النص ويرغب القراء فيه ، إنه كما قال احد النقاد:( مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة لأبهائه وممراته المتشابكة ) .

  تحتوي القصيدة على صور في غاية الدقة والجمال وعلى القارئ أن يدقق في روعة التصوير ودقة الوصف والاستغراق في المعاني .

   القصيدة : عاصفة رياح  ليلية عاتية تهب مزمجره ،تلطم أبواب الجسد ونوافذ المشاعر والأحاسيس ، برد قارص يزلزل مسيرة الفكر ويطفئ أنوار الأماني ينهش جلد مقاومة القلب الموجوع .

     تجدر بنا قبل الدخول لقراءة النص الإشارة إلى أن الليل أخــذ مساحة شاسعة فــي الشعر الــعربي منذ العصر الـجاهلي إلى العصر الحديث … فــمن الشــعراء مــن استخدم اللـيل رمزا للتعبير عن الحزن والأسى ، فربطوه بالهم والضيق ، ومنهم ــمن اتخــذه صــديقاً أو خــلاً وفياً ، واتخــذه رمـزاً للأنس واللهو، كما وصفه بعضهم بالطّول تارةً وبالقصر تارةً أخـرى، فوصفوه بالطول عندما كـانت تنزل بهم الأحزان والهموم، ووصفوه بالــقصر عندما كانوا يشعرون بالسرور.

  بسمة الحذيري في قصيـدة العاصفة مــن الشعراء  الــعرب الــذين تخــيلوا الليل امتدادا للألم والحيرة والهموم والمخاوف هــذا الإحساس ناتــج عــن قــلق نفسي يصيب الإنسان رقـيق الأحاسيس والمشاعر الإنسانية .

    في قصيدة الشاعرة سنحاول كشف الكثير من الأبعاد الجمالية والــنفسية ، ونخــصها بالــدراسة والتفصيل المحـدد لــهوية النص الشعرية .

      أجــمل مــا فـي مطلع القصيدة ” تشخيص الليل ” كأنه إنســان ، بمعـنى إن الشاعرة اضـفت على المعاني  والأفكار والجمــادات صفــات بــشرية ( يجـتر الأحزان ، يتنهد ، يأن  يبتلع ، يخبئ ) يقول ويصمت فهذا التشخيص هو الذي جعل للتعبير جماله ، تشير الشاعرة ابتداءً، إلى شدة  حرارة الألم المضطرم  فــي جوارحها ، الناتــج عــن لـذعة حب او وجع وبرفقــة الليل تتكرر حــــالة من الغـم والكآبة ، فارتشف من شفــاه الوجــد ألــوان آلامي وآهــاتي ، وكأن الأحزان  تحتل مكانة خــاصة عندي ، أودها وتودني ، وبيني وبيـنها علاقة حــب متبــادل ، فــالليل شخص أخــرج نَفَسَه بعد مَدِّه ألمًا أو حُزنًا ،دلالة على كثرة التوجع والتأوه، مــن تردد النَفس في الحلق ، دلالة على الحيرة وكثرة التوجع والتأوه ، هذا الليل المخيف قطع هدوئي ،وأغــرق سفينة صمتي وجــرها إلــى أعماقه ، وبدد صوتي وستر وخبأ أحزاني ،غافل عما تخبئه الأيام .

في حرقة هذا اللّيل

واللّيل يجترّ أحزاني الحميمة

يتنهّد آهاتي

وحشرجة أنيني

يبتلع صمتي وصوتي

يخبّئ أحزاني

      في ليل مضطرب ممطر عاصف، تواصل التعبير عــن مشــاعرها واحــاسيسها ، فــهي تحس بفراغ روحي مجدب جــاف ، أطـفئت فيــه فوانيس الـقلب وأطبـقت العتمـة عــلى روحها ، في جو مليء بالكآبة والاحباط وعدم الوصل للغاية المـرغوب فيها ،اتخــذت الشاعــرة انـفاسها قوتاً ، وابتلعت سكــون الليل ، وشيعــت شــدة اعــصار الصعوبات الشديدة ،والهزات العاطـفية العنيفــة إلى نهــايتها، وهــذه النهـايــة أسكـتت وحبست اصوات الخصوم الشامتين بالحجة والثبات والتحدي.

وتتابع الشاعرة في سديم الليل تبتلع الكلاب (الكلاب البشرية) صوت التوجع والتــأوه ألماً ،لتستريح من هم او حزن، بحثاً عن الطمأنينة ولتتنفس الصعداء .  

وفراغ قاحلٌ في القلب

يمتدّ من خلف دموعي

أقتات أنفاسي الأخيرة

أزدرد صمت اللّيل

يودّع العاصفة

تُخرَسُ الأصوات والوجوه والحياة

وتبتلع كلاب اللّيل أنين نباحها

     تصف الشاعرة حالتها النفسية فتقول :     

فــي هذا الجــو المشحون بالتوجع والآهات ،ترتجف وتهتز وتضطرب أنفـاس الشاعرة، وتتوقف ثابتة لا تتحرك تتحـجر في داخلها ، ويعبث القلب متخفياً بآلامها وآهاتها ، والجراح تعصــرها، ورياح الوجــد ترتجـف إذا ما اهتزت أستار قلبي وسدت وتحطمت نوافذ أحلامي .

وتتحدث الشاعرة عن فشلها في تحقيق أهدافها التي دفعتها لــلإحساس بالقنوط والانزواء ،فــأغلقت في وجـهها نوافــذ الأمل تجاه نسائم الحــب ، الـذي لا تستطيع العــيش بدونــه ولا يصـبح للـحياة قيمـة او معنى ، بعد أن تأملت الحب وهو يلفظ  أنفاسه الأخيرة و مفارقة حب اتحد بالجسد والفؤاد ، وأنا ارقب تلك اللحظات المدمرة .

ترتعد أنفاسي

تجمّد داخلي

وينكمش القلب مختبئا

ونافذتي محطّمة

وأشرعتي تلوّح للرّيح

والبحر يلفظ مراكبي

يلفظني

     تنــهي الشاعــرة قـصيدتها بالحـديث عــن طــول الليل وامتداده، الذي أضعف جسدها وأصابــه بالهزال والضعــف  فتقول: ليل المعذبين طويل وألمه سهمه في القلب مغروس ، عواصفه تجتاحني  سياطه تدميني، تغرقني لا اقوى عليه ففيه من الاوجاع ما لا يحتمل ،كأني بالشاعرة تتساءل كيف يهـدأ ويستقر من تغطيه الهموم ؟ فــمن يداوي جروحاُ بــها من الأوجاع ما ليس تحتمل ؟

    في ليل ساده جو حزين مليء بالكأبة والإحباط ، نتيجـة للمشكلات ومواقف الفشل أو عــدم الوصل للنجاح المرغوب فيه ، تعــلن الشاعـرة احتضـار احــلامها وآمــالها ووجدهــا  مكفنة بأحلامها وحنينها .

.

يمتدّ ليلي

وأذوب في صقيعه. في حريقه

أنعاني. .للّيل.. للبحر

للعاصفة..

وحدي. .في صمت هذا اللّيل

أُحتضر

يتبين مما تقدم أن النص صوت امرأة تصرخ من الأعماق ألماً ، ألماً يمزق جسدها ويستلقي فيه ، يقطف عري مشاعرها ، صرخة امرأة تحاول كسر القيود والنظرة العمياء لها .

فالشاعرة تريد أن تقول لنا “أن الليل اوله هلاك وأخره هلاك” فيه تصرخ كل القلوب ، وكما قيل :  يحتوي الليل الألم فيزيده شده ، ويحتوي الألم الليل فيزيده طولاً ، يلازم المرء حتى يقضي عليه “ للعاصفة وحدي.. في صمت هذا اللّيل أُحتضر“.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!