محمد موسى عويسات

كورونا واللّغة

هي وباء الكورونا… أو نازلة كورونا…((( ولا تسمّى جائحة)))
هل من الصّواب لغة إطلاق وصف (الجائحة) على مرض كورونا (كوفيد 19)؟
وقبل الجواب أقول: لن تكون اللّغة أهمّ من النّفوس البشريّة. سواء أستطعنا أن نقدّم شيئا أم لم نستطع. ولا يعدّ مثل هذا البحث أو هذه الالتفاتة ترفا، لأنّي لا أجد الحياة توقّفت، وبخاصّة في جانبها الافتراضيّ، أي على صفحات التّواصل، بل لم تنته أمراض هذه المنصّات وعجائبها وأخلاطها وأضغاثها. فقلت نلفت بعض النّظر لما فيه فائدة. فلا يقال النّاس تموت أو ترتعد خوفا وأنت في همّ اللّغة غارق، لا يقال ذلك لأنّ أمر هذا الوباء متروك في كلّ شأنّه لأهل الاختصاص، ولا يجوز أن يدلي بدلوه فيه إلا لمن عنده علم فيه، ولا علم لي إلا ممّا أسمع وأقرأ. أسأل الله العفو والعافية لنا ولكم.
على أيّة حال:
الجائحة اسم فاعل من المادّة اللغوية (جوح)، والجوح في اللّغة الاستئصال، أي أخذ الشّيء والقضاء عليه من أصله.
قالوا: جاحتهم جوحا وجياحة، وسنة جائحة أي جَدْبَة.
قال صاحب اللّسان: والجوحة والجائحة: الشّدّة والنّازلة العظيمة التي تجتاح المال من سَنَةٍ أو فتنة. (والمقصود بالسّنة هنا القحط والجدب).
وفي حديث (أنت ومالك لأبيك): ” إنّ أبي يريد أن يجتاح مالي”، أي يستأصله ويأتي عليه أخذا وإنفاقا.
ويقول الأزهريّ: الجائحة: المصيبة تحلّ بالرّجل في ماله فتجتاحه كلّه.
وروى الأزهريّ عن الإمام الشّافعيّ أنّه قال: جِماع الجوائح كلّ ما أذهب الثّمر أو بعضها من أمر سماويّ بغير جناية آدميّ.
قال الشّاعر: (ولكن عرايا في السّنين الجوائح).
وتطلق الجائحة على الجراد عندما يأتي على الثّمار، أو على العدوّ الذي يأتي على المال، فنقول: اجتاح العدوّ مالهم، أي أخذه كلّه أو أهلكه”. من لسان العرب بتصرّف، (مادة جوح).
وقد أطلقت في باب المجاز اللّغويّ في مواضع أخرى: فنقول اجتاحه الغضب. أو اجتاحته مشاعر الخوف. وغير ذلك. تشبيها له بالنّازلة التي تأتي على الشّيء بقوّة فتستأصله.
وهكذا نرى أنّ الجائحة في لغتنا خصّت باستئصال المال والثّمار. ولم يستخدمها العرب في المرض. وبخاصّة إذا عمّ. وإنّما أطلقوا عليه الوباء. يقول ابن منظور في اللّسان: الوبأ: الطّاعون بالقصر والمدّ (أي: وبأ ووباء)، وقيل هو كلّ مرض عمّ، وفي الحديث: إنّ هذا الوباء رجز…
والقول أنّه يستخدم أي (الجائحة) في المرض من باب المجاز، تشبيها له بالنّازلة التي تستأصل المال أو الثّمار، ليس من اللّغة في شيء فهو وصف يستخدم اسما في غير مُسمّاه. وهذا يحتاج اتّفاقا من أهل اللّغة ابتداء، أو بدليل من كلام العرب المعتدّ به في عصور متقدّمة. ولا ينقصنا في اللّغة وصف يخصّ المرض عندما يعمّ لنستعير له كلمة (جائحة) فهو وباء، وإن أردنا أنّ نصفه بشدّة وطأته قلنا: (نازلة) والنّازلة شدّة من شدائد الدّهر تنزل بالنّاس. ولو جاء وصفه بجائحة في سياق أو نصّ، لتقريب صورة فتكه بالنّاس، لما اعترض على ذلك فيكون هنا المجاز والاستعارة. فنقول مثلا: اجتاحه الغضب. ولا نقول أصابته جائحة الغضب. أو نقول: هذا من آثار الجائحة، قاصدين بها الغضب. لذا أرى والله أعلى وأعلم، أنّ استعمال لفظ (جائحة كورونا) ليس صوابا، وإنّما الصواب: وباء كورونا، أو نازلة كورونا.

بقلم \ محمد موسى العويسات

القدس
5/4/2020

خاص بصحيفة آفاق حرة

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!