القدرة على العودة : بقلم لطفي صوالحة

أغلبنا يملك قدرة العودة بعد الكسر بالأجساد ذاتها والوجوه ذاتها والأصوات ذاتها ..لكن قلة قليلة فقط تنجح في العودة بالمشاعر ذاتها ..
يؤمن أغلبنا ان لا شئ يعود بعد الكسر كما كان مهما حاولنا اظهار العكس ومهما استهلكنا من صفحات بيضاء ومهما سعينا لبدايات جديدة ومهما تفننا بإبداء التسامح ..
فالتفاصيل الحقيقية والثقة الحقيقية والإحترام الحقيقي والأمان الحقيقي هي تلك التي تكون قبل الكسر ..أما تفاصيل العودة بعد الكسر فهي مجرد أداء لدور معين فرض علينا لسبب ما أو لإكمال حكاية يجب ان تكتمل لأسباب في الأغلب بعيدة عن الأحاسيس الخاصة ..
فبعد سقوط الأقنعه نملك قدرة مد ايادينا للسلام عليهم لكن من الصعب أن نصافحهم بحب ..نملك قدرة التبسم في وجوههم لكن من الصعب ان نبتسم بمودة ..نملك قدرة الإنصات إليهم لكن من الصعب ان نصدق ما نسمع منهم ..نملك قدرة تبادل الحوار معهم لكن من الصعب ان نقتنع بحججهم ..نملك قدرة الجلوس معهم على مائدة واحدة لكن من الصعب ان نثق باللقمة ..نملك قدرة النوم على وسادة واحدة لكن صعب ان نغمض أعيننا بأمان ..
فهناك أوجاع لا تنسى مهما عولجت وهناك مخاوف لا تنسى مهما أغرقنا الأمان وهناك مواقف لا تنسى مهما تجملت بعدها المواقف وهناك صفعات لا تنسى مهما اختفى أثرها منا وهناك مياه تعود بعد الكسر لكنها تعود ملوثة وهناك تفاصيل عقبت الكسر لن تغادر بمجرد العودة ..
فذلك البكاء لن يجف بسهولة وذلك الألم لن يتسرب منا بسهولة وذلك الشرخ الغائر لن يطفو على السطح بسهولة وذلك الغدر لن يتحول الى ماضي وذكرى عابرة بسهولة ..
ومع هذا فنحن نستمر ونعود أحيانا لإكمال ما تبقى لأن للحياة حسابات اخرى ..وللدين حسابات اخرى ..وللعادات حسابات اخرى ..وللسياسة حسابات اخرى ..وللإنسانيه حسابات اخرى ..وللظروف حسابات اخرى ..وللمحيطين بنا وبهم حسابات اخرى ..
لهذا يشارك أغلبنا بعد الكسر في مسرحية غير فكاهية ..مسرحية مملة وموجعه ..مسرحية نؤدي الدور فيها لأن الحياة أضافت لها سيناريو جديدا ومواقف جديدة ..وحتمت علينا أداء الدور وإتقانه ..لذا هي تمثيليه موجعة أكثر منها مخادعة ..فمن الموجع أن تضطر للمصافحة والتبسم والحديث فقط كي تحمي سفينتك بكل ما عليها من الغرق ..
فإن كسرت التفاصيل الجميله يوما بيننا وعدنا رغم وجع الكسر .فنحن حتما سنعلق في قلوبنا لافته مكتوبا عليها بخط قابل للقراءة والتأويل ( اهلا بكم في حكاية ما بعد الكسر .نحن مستعدون الآن للمصافحة والتبسم وإعادة كل التفاصيل بجودة تامة لكنها تفاصيل بلا روح وبلا أمان وبلا ثقة .فنحن ننسى فقط حين يكون الكسر قد نال من القشور ولا يكون الوجع قد تسلل الى ذلك العمق الذي يلامس الروح .ونحن نعود بفرح فقط حين لا تلتهم نيران الكسر خط العودة بأكمله ولا تنال من زهوره وتبقى هناك مساحة أمان تصل بيننا وبينهم )

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!