رحلة في مدينة رسول الله (5) بقلم : محمد صوالحة

نعم هنا كان المؤتمر التأسيسي لانبثاق الدولة الأعظم في تاريخ البشرية ، إمبراطورية السلام والمحبة ، هنا كان النداء الأول ، هنا صعد بلال الحبشي لينادي العالم بالنداء الخالد ” الله اكبر “، هنا صدرت الشهادة الأولى علنا دون خوف أو وجل بأن ” لاإله إلا الله .. وأن محمدا رسول الله ،  هنا في ساحة هذا المسجد تآخى المهاجرون وأصحاب أوسمة الكفاح في سبيل الله ، في سبيل احترام إنسانية الإنسان ، هنا كانت تتخذ القرارات الأهم ، من هنا صدر القرار بالاعتراض لقوافل قريش القادمة من الشام ، من هنا نادى منادي الجهاد لبدر وأحد وغيرها من معارك وغزوات الإمبراطورية الجديدة .

يا سيدي ما دمنا في قباء من أين دخل رسول الله إلى المدينة ؟هل يمكننا أن نذهب إلى تلك المنطقة التي تشرفت بمقدم النبي الأمي القادم من أرض إسماعيل والبيت الذي رفع قواعده مع أبيه ؟ من الأرض التي انفجرت حنانا ورفقا على إسماعيل عليه السلام وقست على خاتم النبيين ، ركبنا السيارة وسرنا فترة  لا تزيد عن ربع أو ثلث ساعة حتى وصلنا وقال : من هنا  دخل الشفيع إلى المدينة ، وهنا راحت تتراءى لي الجموع المنتظرة لقدوم حبيب الله ، لتستقبل البشير ، لتنصره وتفديه، من هنا وبعفوية تامة ودون ترتيب مسبق وقف الرجال والنساء ينتظرون الهادي ، لا يأبهون بجلد أشعة الشمس الحارقة لرؤوسهم ، أكثر ما يشغل أفكارهم متى سيصل النذير ونمتع أنظارنا برؤيته ، من هنا انطلقت الحناجر عندما هل نوره عليهم تردد  :

طلـــع البــدر علـينا      مــــن ثنيــات الـوداع

وجاب الشكـر علينا      مــــا دعـــى للــه داع

أيها المبعوث فينــــا      جئت بالأمر المطـاع

جئت شرفت المدينة   مرحبــــا يا خيـــر داع

ما زال النخيل يزهو .. والأرض تفخر وسمت إلى ما بعد السمو ، لأن النذير وصاحبه قد مر منها .

والأن إلى أين؟

سنذهب للمساجد السبعة .

حسنا هذه المساجد لم تثر بي شيئاً يذكر إلا أنها كانت ملتقى لإصحاب الرسالة المنيرة ، كان مرورنا على هذه المساجد سريعا ، شباب بعمر الورود يعطون دروسا عن تاريخ المسجد والمكان بمقدرة عالية ، مستعدون للإجابة عن أي سؤال أو استفسار ، وبعد أن أنهينا زيارة المساجد سالته : إن كان بإمكاننا زيارة موقع أحد المعركة الخالدة؟هيا وانطلق السائق وهو يتحدث بكلمات أفهم بعضها ولا أستوعب البعض لسرعته في الكلام.

وصلنا إلى الموقع وإذا بفتى يقف هنا متوسط الطول مليء الجسد قد استقبلنا وسار بنا إلى جهة القبر ، الضريح ، أو روضة الجنة ، التي تضم رفاة أسد الله ورسوله وسبعون شهيداًآخر ، كان الفتى يتحدث بطلاقة بالغة وبصوت مؤثر عن تاريخ المعركة ” أحد” ونتيجتها ، وهنا تدخلت وكأني أدخل نقاش مع دكتور أو أقف أمام عالم :

-هنا يا سيدي تجلت حنكة ابن الوليد ومقدرته العسكرية الذي استطاع أن يقلب نتيجة المعركة من هزيمة مذلة إلى نصر عزيز .

– لا يا أخي إنه مكر الشيطان وليست حنكة سيف الله.

-كيف وابن الوليد لم يهزم في معركة قط ؟

– يا أخي إنه الشيطان الذي أغوى الحماة المنتشرون على الجبل للهبوط والمشاركة في جمع الغنائم ومخالفة أوامر السراج المنير  الذي أبلغهم بضرورة البقاء ، إن قتلنا فلا تنصرونا وإن غنمنا فلا تشاركونا ، كان قد قرأ المعركة قبل وقوعها .

-وهنا تأتي الحنكة وحسن القيادة والتخطيط العسكري الفذ.
هنا وقفت هند بنت عتبة تنادي أبناء قريش بقولها :

نحن بنات طارق  لابسات النمارق

إن تقبلوا نعانق    وان تدبروا نفارق

فراق غير وابق

هنا وقفت هند تنتظر من وحشي تنفيذ أمرها بقتل الأسد ،  أسد  الله  ورسوله  ، قتل  حمزة بن عبد المطلب ، من هنا توجهت حربة الخيانة والغدر من يد ذلك الوحشي الماهر إلى ظهر عم السراج المنير لتخترقه ، وتعلو زغرودة الهنود التي أقبلت لتمثل بجثة حمزة بن عبد المطلب وتلوك كبده،  وهنا توعد رسول  الإنسانية  بأن يمثل بثلاثين من رجال قريش أن مكنه الله منهم ، وينهاه الرحمن عن ذلك بأن عاقبوا بمثل ما عوقبتم

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!