الأدب ومهمّة التغيير (بطاقة تعريفية)، بقلم. محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة

 

الأدب ومهمّة التغيير

(بطاقة تعريفية)

 

المحرر الثقافي لآفاق حرة : محمد فتحي المقداد.

 

*مدخل:

صدر حديثا كتاب: الأديب المسرحي المناضل الألمانيّ (بيرتلت برشت) دراسة تحليلية للأعمال المسرحية. تأليف. أ. د. محمود يوسف الحسينيات. أستاذ الأدب الألماني المقارن في جامعة اليرموك الأردنية.

و للتوضيح الذي لا بدّ منه للضرورة، هناك بعض الترجمات لاسم “بريشت”، ترجمته “بريخت، أو برخت”. اختلاف الترجمات الأمينة لا يُغيّر من الموضوع شيئًا.

مُهمٌّ أن يكتب أحدهم مقالًا أو كتابًا، وليس مُهمًّا كمُّ تراكُم قراءات جامدة تبقى حبيسة صدور قارئيها. الأهمُّ من ذلك كُلّه: هدف الكتابة ذات المحتوي المليء بما يحمل من رسالة إنسانيّة شاملة، لنشر المحبّة والسلام، ومُقاومة الحروب ومُخرجاتها القذرة، وكشف مساوئها وإعلامها الزائف. الكتاب الذي بين أيدينا وما نحن بصدده. إضافة جديدة للمكتبة العربيّة، وجهد معرفيّ استغرق سنوات، استلزم الوقت والجهد المُضني، بأناة وصبر من الباحث “محمود الحسينات“.

 

*رؤية في الكتاب:

يروق للباحث وصف “برشت” بالكاتب الثائر والمُفكّر المُتمرّد، وقد اقتبس مقولة لبرشت : “إذا أصبح الظلمُ حقًّا؛ فإنّ المُقاومة تُصبحُ واجبًا” ص31.

الإنسان هو الأساس الذي استهدفته جميع أعمال “برشت” المسرحية ذات النهج المُعادي للنازيّة والفاشيّة، والرأسماليّة، وفي وقت لاحق للشيوعيّة، رغم مُهادنته زمنًا فإن كتاباته وقتها لم تكن موضع ترحيب وإعجاب مُنظّري الشيوعيّة السوفياتيّة أو الألمان الديمقراطيّين منهم.

هذا الكتاب هو مدخل لدراسة الكاتب المسرحي الألماني بيرتلت برشت (1889–1956).

كما تناول مسرحيّاته بموضوعاتها ذات الصبغة الاجتماعية  بجوهرها، جميعها تتمحوى حول الإنسان وقضاياه: في النظام الرأسمالي، والحـرب والمـال، وصراع الطبقـات، والمـدن الحديثة،التي يفقـد فـيهـا الإنسان إنسانيته.

والهدف مـن وراء ذلك: أن يتعـرّف الإنـسـان عـلـى واقـعـه الـذي لا يمكن أن يتغير بدونه.

وثار برشـت عـلـى المسرح التقليدي (الكلاسيكي) الذي يُبعـد الإنسـان عـن واقعـه، ودعـا إلـى مـسـرحٍ مـلـحـمـيٍّ قوامـه تغيير الإنسان. وأدخـل عنصر التشويق والإثارة؛ ليدفع المشـاهد إلـى نقطة مفصليّة بطـرح التَّساؤلات الباعثة على التفكير، وللبحث عن حلول تقود إلى التغيير.

انتقد “برشت” الفساد الإداريّ والسياسيّ، الذي تُمثّله طبقة الأغنياء في النّظام الرأسماليّ، ودعا العمال والطبقات الفقيرة إلى الكفّ عن عبادة البطل الصّنم وأكذوبة البطل القائد، الذي يبني أمجاده على أشلاء البائسين والمسحوقين.

كان برشت كاتبًا ماركسيًّا حُرًّا، ولم يصبح في يوم من الأيّام عضـوًا فـي الحـزب الاتحاديّ الاشتراكيّ الألمانيّ (SED)، وهـو مـا سـبّب لـه المضايقة ليس في أمريكا، ولكن في جمهوريّة ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية).

عندما ثار العمّـال مُـطـالبين بتحسين أوضاعهم الاقتصـاديّة؛ قامت الدبّابات الروسيّة بسحقهم  في شوارع ألمانيا الشرقيّة؛ فتوجّه “بريشت” بالدعوة للحكومة والحزب الحاكم بتغييرّ الشّعب، إذا لم يعجبها مسلكه!

كانت كتابات “بريشت” رسالة سياسية هادفة، يرسل بها مـن خـلال مسرحيّاته، ومسـرحه الملحميّ قوامها: “ماذا يقدم كلٌّ منّا لعالم نقف شاهدين على أفولـه؟“، والتي اختصرها بكلمته الجريئة بإشاراتها الواضحة والعلنيّة بالمقاومة وعدم الوقوف على الحياد.

أمّا حريّة الإنسان، التي نادي بها “برشت”: “ليست كما يفهمها المجتمع الرأسماليّ، حرية الطبقة الحاكمة، وحرية رأس المال، إنّما نشد العدالة الاجتماعية، وحرية كل طبقات المجتمع من العمّال والفلّاحين والطّبقة الاجتماعيّة المتوسّطة، وتشييد عصر جديد تسوده الحريّة ويقوده العمّال، الذين يجب تمتّعهم بوعي سياسيّ؛ يُقوّم ويُنظّم المرحلة بقالب جديد تمامًا.

طغت الأعمال الأدبية المتأخّرة التي كتبها “برشت”، بعد أن تبلور وعيه الفكريّ والسياسيّ على أعمال المرحلة الأولى من حياته ذات الطّابع التعليميّ، وجاءت موضوعاته في أعماله الأدبية كافة، ومنها مسرحياته نتيجة ظرف حضاري مرّت به ألمانيا في عشرينيّات وثلاثينيّات القرن الماضي، وتكمن أهميتها في نقل رؤية “برشت” السياسيّة الماركسيّة للظروف الاجتماعيّة السّائدة وقتها، ولكنها لا تختلف بكل أسف ومرارة عن ظرفنا الحضاريّ حاليًّا رغم مرور حوالي ثمانين عامًا على كتابتها.

الكتاب في مجمله جهد جبّار، وصفحة جديدة مضافة للمكتبة العربيّة، في الدّراسات الأدبيّة المُقارنة، ممّا تُسهّل سُبُل الاطلاع للقارئ والباحث العربيّ على الآداب العالميّة، لفتح الرّؤى والتصوّرات الإبداعيّة.

 

عمّان – الأردنّ

20/ 6/ 2022

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!