الكلبة / بقلم : ‏الشاعر صابر العبسي العبسي‏

كعادتها امي تعود الى البيت عند الظهيرة تفك رباطي وتطعمني ما تيسر من مطبخها البسيط وبعد ان تغسل اطرافها من العرق والغبار وتنزع ملابس العمل تاخذ قسطها من الراحة تطبق اجفانها وترخي عنان جسدها المنهك للنوم لتنهض بعد ساعة او ساعتين وتهب كالعاصفة الى الخارج لتكمل ري الفلافل بعد ان توثقني الى جنبات السرير بقماش توثقني كالكلب الصغير الى مذودي ولاافعل في غيابها الا النباح والعويل حتى يخطفني النعاس
يوما ما خطر لي ان انسل الى الحقل في الخارج بعد ان خططت الى ذلك وانسحبت كلص من البيت ورحت اطوّف عن الجريمة التي ساقترفها دون وعي مني انذاك تدرجت في المشي بين اشجار السرو في اتجاه الجابية وصعدت سلمها الحجري وجلست على حافتها واضعا ساقي في مائها ثم وقفت لينعكس ظلي طويلا كرهبان حدثنتي عنه الجدة ذات ليل شتائي فلم يصبني الهلع بقدرما تدبرت حيلة لصيد او لامساك هذا الظل والعودة به في مخلاة او صندوق قفزت الى غابة القصب الهش واقتلعت ساقا منه نحيفة وطويلة وعدت ادراجي الى الجابية واعدت الوقوف ليطفو ظلي عاليا مرة اخرى لم اكن ادرك تمام العلم انه ظلي ولكن لست ادري كلما حركت القصبه في اتجاه عضو من اعضائه الا وذاك العضواختفى …جنني الامر ثم احتفى الظل نهائيا حين جالت بخاطري فكرة الارتماء عليه كما يفعل حراس كرة القدم حين يتقضون على كرة الجلد في اللحظات الاخيرة …. فتراجعت وواصلت البحث في فردوسي الرحمي من ذلك البستان عن جريمتي البشعة التي ساقترفها بكل وقاحة الانسان اينما حل الا وقد حل الخراب معه وجنحت جهة الشرق بين اشجار المندرين والسرو فعثرت على كلبة ملتمة ممددة ترضع جراءها الصغيرة فتقدمت منها دون تردد وبكامل الطمانينة نزعت جروها الاول من حولها كان مبرقعا بالسواد سابحا في بياضه الشهي فمسّدت على راسه وهو يئن وفي انينه ذلك كنت اعتقد طربا وقلت في نفسي ساضعه في الخزانة لاخرجه في وحدتي ويؤنسني حين اكون وحيدا وتتركني امي لاشباح العزلة ترضعني حليبها المر ثم وضعته على العشب بجانبي ولكن لابد من شقيق له يؤنسه ايضا ثم بوقاحة الضباع وقسوتها هذه المرة مددت يدي الى جروها الثاني وانتزعته من حضنها حتى انشبت الكلبة بضراوة اسنانها كلها في ساقي اليمنى وراحت تجرني هائجة مغمغمة تسحبني وتجندلني بكل ما اوتيت من صلابة الكائن في الذود عن اكباده فيما صراخي قد علا الحقل كله والكلبة تعض بكامل اسنانها على قصبة الساق تحت الركبة تحديدا كان مسامير لاهبة نشبت في عظامي فهب ابي في اتجاهي لتتراجع الكلبة ويحضنني مهرولا بي الى البيت فيما امي المسكينة تغط في نومها وما ان ضمّد ساقي بقماشة من ملابسها ولف بها ساقي الطافرة بالدم على وقع ولولاتي كالارامل حتى استفاقت امي المسكينة فتركني جانبا ثم صوّت مجدفا لاعنا ربها ورب السماء واخواتها وامها واهلها وجد جدها الاول .الولد كلاتو الكلبة يا بنت الكلب وانت راقده ثم سلّ خرطوم مياه ازرق وراح يهوي به على ظهرها وكتفيها وفخذيها كان ذلك اول مشهد للعنف في غمرات الاوجاع تتفتح عليه عيناي وبعد ان ادّبها ونال كفايته من تاديبها في لمح البصر اختطفني مثل وسادة حاضنا اياي مهرولا بي الى الطبيب لمعالجتي وهنا تاتي الكارثة بعد فحصي بمدينة قرمبالية وتشخيصي جيدا امر الطبيب ابي ان ياتي له براس الكلبة مقطوعا ريثما يتاكد من انها مصابة بداء الكلب ام لا وبعد وصفة تلزمني بثلاثين حقنة لمدة شهر عاد بي ابي االى البستان فيما كانت امي قد شفت غليلها من الكلبة وقد قتّلت كل جرائها واقتطعت راسها يا للمجزرة التي راح ضحيتها بسببي عائلة بكاملها
كانت تلك اول جريمة اقترفتها يداي في حق كائن لم تفعل شيئا سوى الذود عن نفسه وجنسه وبقائه الم اقل لكم ان الانسان اينما حل الا وحل معه الخراب والقتل والجريمة ولم تزل تلك الحادثة ماثلة في داخلي عصية على المحو والنسيان

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!