بطاقة تعريفية بكتاب “ظلال من ورق” للأديبة السورية “جيهان الكردي”، بقلم الروائي: محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة:

 

بطاقة تعريفية بكتاب

“ظلال من ورق” للأديبة السورية “جيهان الكردي”

 

المحرر الثقافي – الروائي محمد فتحي المقداد

المقدمة:

التوهُّج الذاتي عند “جيهان الكردي” الذي سطرته من خلال كتابها “ظلال من ورق” جاءت خواطره بمنثورها الأدبيّ، بمستويات ذات ذوق أدبي رفيع، على محمل لغويّ متشابك بمعانيه وأفكاره الظّاهرة والخفيّة، لتكون مُحفّزًا ذهنيًّا للبحث عن الغايات والأهداف، ذات البُعد الإنساني الأشمل والأرحب، عندما خرجت من شرنفتها لتُعانق الحياة بفصولها الأربعة، وتلفت الانتباه للجمال والبهاء والنقاء، والإشارة إلى مواطن الحبّ والسعادة فيها. خالفت بخطواتها تلك ممّا هو سائد على السّاحة من كتابات تمحورت حول الفستان الأحمر والأصفر، وما يُعاب عليه من التشرنُق على الذات، وبناء عالم نرجسيّ حول الذات المُتحوّلة إلى حالة مرضيّة.

 

اللغة:

متعة القراءة لا تُضاهيها متعة، وهذه حقيقة لا جدال ولا مِراء فيها، ودواعي جلب هذه المتعة عديدة وكثيرة، من الفكرة إلى الصياغة إلى اللغة العميقة، وطريقة استخدامات بمهارة فائقة، لافتة الأنظار إليها، وهو ما يُنبئ عن نليه بصراحة وجلاء في كتاب “ظلال من ورق“، يأخذ القارئ إلى حالات تأمّل صوفيّة للوقوف على ناصية دروب النصوص في الكتاب.

 

العنوان:

ظلال من ورق“، والظلُّ آية من آيات الله العُظمى، والظلّ لا يتشكّل إلّ لكتلة ذات حجم وأبعاد وشكلٍ مُعيّن، والظلّ انعكاس الجانب الآخر المُغاير للضوء، والضوء لازمة أساسيّة لتشكيل ظلٍّ ما. إشكاليّة انرياحيّة دافعة للحيرة التساؤليّة، بتحويل المفهوم الفيزيائيّ “للظلّ” من معناه المعنويّ الذي لا يعدو أن يكون لونًا أسودًا، إلى واقع ماديّ ملموس. الأمر الدافع للتفكير باتجاه آخر يُكنّى عنه ب”الهياكل الورقيّة” أو”الكرتونيّة”، ذات هشاشة غير قادرة على الثبات حتّى في وجه نسمة لطيفة، وهو ما بيّنه الفصل الثالث من الكتاب “ورقات الغيم في أيلول”، وقضيَّة التساقط والتعرّي، وفضح المستور والمسكوت عنه. حينها ندرك أن “الظلال” كان من ورق خفيف الوزن، كورقة دفتر، أو ورقة تساقطت من شجرة، لتكون في مهب الريح تُحركها كيف شاءت، وأينما أرادت. وهذه الظلال تكاد أن تكون عديمة الجدوى، لأنها بلا أساسات تُثبّتُ كينونتها. وهذا المنحى خلاف الظلال الوارفة بثباتها خلف الكتلة المُولّلدة لها على الدوام.

 

مواضيع الكتاب:

جاء الكتاب بتقسيماته ذات الفصول الستّة، لكن الفصل السادس وصف بأنه الفصل الأخير. ولكل فصل وصف بين قوسين.

-الفصل الأول: (رسائل إلى لا أحد)، فإذا كانت الرسائل الثلاثون فكأنها إشارة لعمر الأديبة جيهان، فإنها لا شكّ أنّها خاصّة ملئية بالمشاعر والأحاسيس والأحزان، والآمال والطموحات المنثورة هباء على أعتاب وطن جريح، وهي رسائل الربيع، وما هو إلا الربيع العربيّ:

وهذا ما فسرته الرسالة الخامسة بوضوح تام:

هل فكرت يوما إن كانت أحلامنا متشابهة؟ هل حلمت بسجدة في رحاب الأقصى، وصلاة في الجامع الأموي، وابتسامة سلام في بغداد، وتنهيدة نصر على شواطئ بيروت؟. هل حلمت بأنك تحرر الأهرامات من قيود فرعون؟ وتربت بيديك هل حلمت بعيون صنعاء تصافحك بذاك النور الذي ينبعث من عيني الشمس؟. على أكتاف طرابلس بعد شفاء.

وبعقد تجمع حياته الزمردية من الجزائر والدار البيضاء وتونس، سيكون أثمن هدية تهديني إياها..! هل حلمت بتلويحة قلب عند الكعبة المشرفة وتحية روح في المدينة المنورة؟ وبثوب مطرز من نقوش الخليج الجميلة مع نفحة أندلسية تجعله غلافا لكتاب “كيف توحد العرب ؟ ” الذي سوف توقعه أمام تمثال الحرية في واشنطن وأمام انعكاس الأضواء من برج إيفل في باريس؟ وعلى إيقاعات ساعة بغبن في لندن؟ وفي إحدى شوارع روما الجميلة؟ وفي سفينة يلتف حولها شغف النوارس في أسطنبول؟“.ص١٤.

وفي الثاني من الفصل الأول: سبعة عشر بوحًا، والبوح الداخلي محاكاة للنفس، والبوح للمحيط الاجتماعي، والبوح لا بد أنه ذو رسائل؛”فقالت جيهان في (ما لم يقلة اللوز في نيسان) كل ما تطمع به وتطمح إليه بقية أشجار الفاكهة وفي كل الشهور. فمن طفلة يغريها اكتشاف ضحكات المطر في رؤيتها الأولى له إلى ناضجة تطلق أسراب الدموع لمراقصته، وبين حواريات وجداريات تأخذنا الكاتبة في دوامة شهية حيث نخلع عنا أقنعتنا في حضرة مرايا نصوصها“. غن صفحة الغلاف الأخيرة.

-الفصل الثاني: وهو (اعترافات في ضوء القمر) عشرون اعترافًا، والإشكاليّة أنها اعترافات في ليل وظلام، وربما حاءت في ليالٍ مقمرة. وهذا مثار تساؤلات ذات أبعاد مليئة بالخوف والهواجس، ففي الاعتراف الثالث عشر:” دعني أغامر إذًا.. عساي أعثر على وطن أضعتُه.. وملامح لحارات ومدن تسكن ذاكرة وجعي” ص٧٣.

الاعتراف العشرون وفي ختامه: ” وتساقطت الكتب والأوراق، وألوان الدمعة، وأقلام الحنين، تساقط الورد والحبر والفخار، ورحلا ذائبين في خطوط الظلام، على صوت

نحيب القمر وتقطر دموع ضيائه“ص٨٨.

-الفصل الثالث: (ورقات الغيم في أيلول) وهن عشرون ورقة، جاء على شكل رسائل متبادلة بين (هي.. هو)، وذلك بعد الاعترافات السابقة، وبالاقتباس تتبين هوية هذه الأوراق: “غايتي..هل أخبرتك من قبل أنك تشبهين البلاد العربية؛ واضطهادها وجمالها وطغيانها؟. بأحلامها وجنونها / من قال أن الحب يعترف بالكال؟ الحب يعترف بالبشرية، عيوبها وحسناتها، أن تحب محبوبك على علاته” ص٩٧.

أنا أنا وأنت فلن ترحل! سيرحل الخريف فقط! وسنبقى حكاية كتبت * على جدران القلوب، حكاية لا يعرف أبطالها، ولا حتى أساؤهم، حكاية | تتخطفها الألسنة، وينشغل بها المحبون، دون أن يكون لنا نصيب من خبرها“. ص١١٧

-الفصل الرابع: (أسراب الدموع تراقص المطر) عشرون رقصة أثّثت بأفكلرها مساحة هذا الفصل، فتقول جيهان:” عاد الشتاء حاملا مع كل قطرة ألف حياة، معاندًا جفاف رحيلك، مقاوما غبار الخيبات، في الأمس مشيث تحت المطر، تناولت الحب من يد السماء، وابتسمت له!“. ص١٢١. وتقول أيضًا: “كل شيء ذهب! اللوز والربيع والقمر وأيلول! وما بقيت سوى الأحزان، تعاندني عن ركوب الأمل والإبحار مجدداً في بحر الحياة“. ص١٢٦.

الفصل الخامس: (إلى ظلّي الآخر) وهي كذلك عشر رسائل تتبين بعض محاورها، بتتبع شيء من أفكارها وهو ما في الرسالة الثالثة: “هل تنام الظلال حين ننام؟ هل تأوي إلى أحلامها باكية تزخرف بالدمع وجه وسادتها مثلنا ؟ أم أنها تهرب من أوجاعنا باحثة عن ركن عن مخبأ، أو ربما عن ظل آخر تأوي إليه بشجونها وجنونها وفراغاتها، تمشي على رؤوس أصابعها بينما نحن غارقون في قصصنا وتنزلق خارج أسوار دموعنا، لكنها لا تدرك بأننا لن نمانع الهرب معها إذا ما خيرنا، فإن كنت يا ظلي العزيز لا بد هارب دعنا نهرب سويا فتعثر على ظل يرافقك وأعثر على روح تشبه روحي! لا تدعني دون ظل يغطي تفاصيل الحكاية، لا تترك حروفي عارية دون ظل معنى يهبها جمال التخفي.!“. ص١٥٩

-الفصل الأخير: (شجرة الحب)، أربع عشرة ورقة، بالتوقف عند أول واحدة منها للاستدلال بمحتواها الفخم:” أكاد أشفق على القلوب التي لا تبصر معنى الجمال في آيات الله، ولا أقصد ذاك المعنى السطحي الذي لا يحمل سوى الانبهار اللحظي، بل أقصد المعنى الذي يأخذك بكليتك إلى عمقه، وتعلم أن اندهاشك لا يتوقف عند هذه اللحظة بل يمتد عميقا في روحك فتصبح أنت منه على حالة دائمة من التفكر والتسبيح، وكما ورد في الكتاب العزيز: “ويتفكرون في خلق السماوات والأرض”، فلم يقل يفكرون بل قال يتفكرون، وكان التفكر حالة مستمرة من التحديث حول ما يبصره قلبك ولا أقول عينك، لأنك هنا تراه بقلبك، فأنت ترى الغروب وتتفكر في هذه الصور، ثم في يوم آخر تتكشف لك معان جديدة رغم أنه نفس الغروب، وهكذا كل مرة” ص١٥٩.

الخاتمة:

متعة التطواف بين ثنايا كتاب” ظلال من ورق”، والتنقّل من فكرة إلى فكرة، جعلت مغادرته تبعث الأسى الموجع في قلب القارئ، خاصّة عندما يستشفّ الوجع والألم الممضّ في قلب والكاتبة” جيهان الكردي”، التي رمّزت له بحرفيّة أدبية عالية المستوى، بما نبشت من مكنونات اللغة العميقة، ذات شيفرة مُحكمة تحتاج خبير لفكّ رموزها.

 

عمّان- الأردن

 

٢٩/ ١١/ ٢٠٢١

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!